الحكم الثالث ـ الاستغناء عن المفعولين بالمصدر المؤول :
يجوز أن يسدّ المصدر المؤول من «أنّ» (١) الناسخة وما دخلت عليه ، أو : «أن» المصدرية الناصبة وما دخلت عليه من جملة فعلية ـ مسدّ المفعولين ، ويغنى (٢) عنهما. ويجب أن يراعى فى معنى المصدر بعد تأويله أن يكون مثبتا أو منفيّا على حسب ما كان عليه المعنى قبل التأويل.
فمن أمثلة المثبت ما جاء فى خطبة لقائد مشهور : (علمنا أن السيف ينفع حيث لا ينفع الكلام ، ورأينا أنّ كلمة القوىّ مسموعة. فمن زعم أن يفوز وهو ضعيف فقد أخطأ ، ومن ظن أن يسلم بالاستسلام فقد قضى على نفسه ...)
وتقدير المصادر المؤولة (٣) : علمنا نفع السيف ... ـ رأينا سماع كلمة القوىّ ـ من زعم فوزه ... ـ من ظنّ سلامته ... فكل مصدر من المصادر التى نشأت من التأويل سدّ مسدّ المفعولين المطلوبين للفعل القلبىّ الذى قبله.
فالمصدر : «نفع» ، أغنى عن مفعولى الفعل «علم». والمصدر : «سماع» ، أغنى عن مفعولى الفعل : «رأى». والمصدر : «فوز» ، أغنى عن مفعولى الفعل : «زعم» ، والمصدر : «سلامة» أغنى عن مفعولى الفعل «ظن». ويقاس على هذا أشباهه (٤) من مثل قول الشاعر :
تودّ عدوى ثم تزعم أننى |
|
صديقك ؛ إن الرأى عنك لعازب |
__________________
(١) سواء أكانت مشددة النون أم مخففة.
(٢) سبق (فى رقم ٣ و ١ من هامش ٦ و ٧ و ٨ وفى ٢ من هامش ص ١٨) أن هذا كثير فى الفعلين «زعم» و «تعلم» بمعنى ، «اعلم». قليل فى : «هب» بمعنى : ظنّ. وأن المصدر المؤول سد مسد المفعولين طبقا للرأى المختار هناك ، وفى رقم ٣ من هامش ص ١١.
(٣) سبق (فى ح ١ ص ٢٩٩ م ٢٩ من هذا الكتاب ، باب الموصول) إيضاح شامل لطريقة صوغ المصدر المؤول بصوره المختلفة ، وبيان الدافع لاستعمال الحرف المصدرى ، وصلته ، دون الالتجاء إلى المصدر الصريح ابتداء.
(٤) يكون الفعل القلبى فى الأمثلة السابقة وأشباهها عاملا فى لفظ المصدر المتصيد (أى ، المستخرج) من «أنّ» و «أن» وصلتهما ، وليس عاملا فى الجملة التى دخلت عليها «أن» أو «أنّ» إذ لو كان عاملا فى الجملة نفسها لوجب تعليق الفعل عن العمل ، بسبب الفاصل (طبقا لما عرفناه فى «التعليق») ولوجب أيضا كسر همزة «إن» لوقوعها فى صدر جملة جديدة. فالذى حل محل المفعولين هو المصدر المؤول وهو مفرد. وكل هذا بشرط خلو خبر «إنّ» من لام الابتداء ؛ لأن وجودها يوجب كسر همزة «إنّ» ويوجب» التعليق (راجع رقم ٢ من هامش ص ٣٢ ورقم ٤ من هامش ص ٤٧. وكذلك ج ١ ص ٤٨٩ م ٥١).