فإنها قد تحذف وحدها وجوبا أو جوازا فى مواضع معينة ، وتبقى صلتها ـ كما سيجىء (١) ـ ومع حذفها فى تلك المواضع تسبك مع صلتها الباقية مصدرا يعرب على حسب حالة الجملة. وقد حذفت سماعا فى غير تلك المواضع ، وبقيت صلتها أيضا. وهو حذف شاذ لا يصح القياس عليه. ومنه قولهم : وما راعنى إلا يسير الركب. أى : إلا أن يسير ... والتقدير ما راعنى إلا سيره ؛ فالمصدر المؤول فاعل. ومثله : يفرحنى يبرأ المريض ؛ أى : أن يبرأ والتقدير : يفرحنى برؤه ؛ فالمصدر المنسبك فاعل. وهو نظير المسموع ، وكلاهما لا يجوز القياس عليه ، وإنما يذكر هنا لفهم المسموع الوارد فى الكلام العربى القديم ، دون محاكاته.
وقد دعاهم إلى تقدير «أن» حاجة الفعل الذى قبلها إلى فاعل ، فيكون المصدر المنسبك منها ومن صلتها فى محل رفع فاعلا. ولو لا هذا لكان الفاعل محذوفا أو جملة : (يسير ـ يبرأ المريض) وكلاهما لا يرضى عنه النحاة ، لمخالفته الأعم الأغلب.
وبهذه المناسبة نشير إلى أن الراجح الذى يلزمنا اتباعه اليوم يرفض أن تقع الجملة الفعلية أو الاسمية فاعلا. وأما قوله تعالى فى قصة يوسف : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ ...) فالفاعل ضمير مستتر تقديره : «هو» عائد على المصدر المفهوم من الفعل. أى : بدا لهم بداء ، أى : ظهور رأى. وهذا أحد المواضع التى يستتر فيها الضمير ـ كما سبق ـ (٢).
وهناك رأى يجيز وقوعها فاعلا مطلقا. ورأى ثالث يجيز وقوعها فاعلا بشرط أن تكون فعلية معلّقة (٣) بفعل قلبىّ ، وأداة التعليق الاستفهام ؛ كقوله تعالى : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ)(٤) فَعَلْنا بِهِمْ). والرأى الأول أكثر مسايرة للأصول
__________________
(١) فى الجزء الرابع ، باب «إعراب الفعل» حيث الكلام على النواصب ثم الجوازم ...
(٢) ج ١ ص ١٨١ م ٢٠ عند الكلام على «مرجع الضمير».
(٣) شرحنا فى الباب الأول : (ظن وأخواتها) التعليق وأدواته. ص ـ ٢٦ ـ
(٤) تفصيل الكلام على حالات : «كيف» الإعرابية والبنائية ، فى ج ١ م ٣٩ ص ٣٥٧.