فتحصل مما بيناه أن حاصل الكلام في المقام انه لو أريد بوجوه التحسين مفهومها الاعم الشامل للمطابقة لمقتضى الحال والخلو عن التعقيد وغير ذلك مما يورث حسنا سواء كان داخلا في البلاغة أو غير داخل وجعل قوله بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة احترازا عما يكون داخلا في البلاغة مما يتبين في العلوم المذكورة لكان تعريف علم البديع غير مانع وذلك غير جائز.
(وهي أي وجوه تحسين الكلام ضربان) أي قسمان قسم (معنوي أي راجع الى تحسين المعنى بحسب العراقة والاصالة) العطف تفسيري وإنما نسب هذا القسم الى المعنى لأنه راجع الى تحسينه اولا وبالذات بمعنى أن هذا القسم قصد أن يكون كل فرد من أفراده محسنا للمعنى لذاته (وإن كان بعضها لا يخلو عن تحسين ما للفظ) أيضا.
والحاصل ان التحسين في هذا القسم تحسين للمعنى اولا ومتعلق به لذاته وأما تعلق القصد بكونه تحسينا للفظ فيكون ثانيا وبالعرض وإنما يكون هكذا لأن هذه الوجوه قد يكون بعضها محسنا للفظ لكن القصد الأصلي منها إنما هو الى كونها محسنة للمعنى كما يأتي بيانه في المشاكلة اذ هى ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير نحو :
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخة |
|
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا |
فقد عبر عن الخياطة بالطبخ لوقوعها في صحبته فاللفظ حسن لما فيه من ايهام المجانسة اللفظية لان المعنى مختلف واللفظ متفق لكن الغرض الاصلي انما هو المعنى وهو جعل الخياطة كطبخ الطعام في أقتراحها لوقوعها في صحبته وأما تعلق الغرض بتحسينه اللفظي المشار اليه فهو ثانيا وبالعرض وعلى وجه المرجوحية وكذلك العكس كما في قولهم عادات السادات سادات