وما إن أمهله الدهر حتى عصفت بتلك البلاد عواصف الأيام التي لا تنيم ولا تنام ، ففرقت شملها ، وبددت أهلها ، ونهبت أموالها ، وهتكت نساءها ، ولعب الزمان بأحوالها ، فغادرها المترجم له الى بعض القرى ، واستوطن قرية (فسا) وحاكمها آنذاك الزعيم (محمد علي) فاجل الشيخ وعظمه ، فصرف أوقاته كلها فيما تتوق اليه نفسه ، وما هي أمنيته من حياته ، وهي المطالعة والتصنيف والتدريس ، فصنف كتبا ورسائل وابتدأ هناك بتصنيف (الحدائق الناضرة) واستمر فيه الى باب الأغسال ، حتى ثار طاغية شيراز (نعيم دان خان) الثائر بها من ذي قبل في أخريات عام ١١٦٣ ، فنزل بتلك البلاد ايضا من حوادث الأقدار ما أوجب تشتت أهلها إلى الأقطار ، وتفرق جمعها الى الصحاري والبرار ، فقتل حاكمها (محمد علي) وهجم حتى على دار المترجم له وهو مريض ، ونهبت أمواله وأكثر كتبه ومؤلفاته القيمة التي هي أعز عليه من نفسه وثمرات حياته الثمينة. وفيها يقول من قصيدة تأتي :
وأعظم حسرة اضنت فؤادي |
تفرق ما بملكي من كتاب |
ففر منها مريضا بعائلته صفر اليد يجوب الجبال والقفار ، حتى استقر بناحية (اصطهبانات) ولبث بها مدة يقاسي مرارات الآفات ويكابد أنواع النكبات ، كما لم يزل على ذلك طيلة حياته في بلاده واغترابه ، لم تشذ عن بلدته اي بلدة لجأ إليها من (شيراز) فقرية (فسا) فناحية (اصطهبانات) فلم يستطع الفرار منها ولم يمكنه التباعد عنها ، فما فر من بلية الا ومني بأعظم منها ، وما تخلص من رزية إلا ودهمته أدهى منها ، فقضى حياته تتعاوره البلايا وتتعاقبه الفتن ، وتحوطه المصائب وتدور عليه دوائرها ، ولهذا لم يكد يوجد لشيخنا المترجم له قصيدة إلا ويذكر فيها ما عاناه من كوارث ، ويعدد ما قاساه من نكبات : منها ـ قصيدة بعثها من اصطهبانات إلى إخوته يشكو إليهم حاله ويصف لهم ما حل به من ملمات استهلها بقوله