ذمّ المسيء ، وقبح مدحه ،فانّ كلّ عاقل يحكم بحسن مدح من يفعل الطاعات دائما ، ولا يفعل شيئا من المعاصي ويبالغ في الإحسان إلى النّاس ، ويبذل الخير لكلّ أحد ، ويعين الملهوف ويساعد الضعيف ، وأنّه يقبح ذمّه ، ولو شرع أحد في ذمّه باعتبار إحسانه عدّه العقلاء سفيها ، ولامه كل أحد ، ويحكمون حكما ضروريا بقبح مدح من يبالغ في الظلم والجور والتّعدي والغصب ونهب الأموال وقتل الأنفس ، ويمتنع من فعل الخير وإن قلّ ، وأنّ من مدحه على هذه الأفعال عدّ سفيها ولامه كلّ عاقل ويعلم ضرورة قبح المدح والذمّ على كونه طويلا أو قصيرا ، أو كون السّماء فوقه ، والأرض تحته ، وإنّما يحسن هذا المدح والذمّ أن لو كانا صادرين عن العبد فانّه لو لم يصدر عنه لم يحسن توجّه المدح والذمّ إليه ، والأشاعرة لم يحكموا بحسن هذا المدح والذم فلم يحكموا بحسن مدح الله تعالى على إنعامه ولا الثناء عليه ولا الشّكر له ، ولا بقبح ذمّ إبليس وسائر الكفّار والظلمة المبالغين في الظلم ، بل جعلوهما متساويين في استحقاق المدح والذمّ ، فليعرض العاقل المنصف من نفسه هذه القضية على عقله ويتبع ما يقوده عقله إليه ، ويرفض تقليد من يخطئ في ذلك ، ويعتقد ضدّ الصّواب ، فانّه لا يقبل منه غدا يوم الحساب وليحذر من إدخال نفسه في زمر الذين قال الله تعالى عنهم : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) (١) «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : حاصل ما ذكره في هذا الفصل : أنّ المدح والذمّ يتوجهان إلى الأمور الاختياريّة ، ويحسن مدح المحسن ويقبح ذمّه ، ويقبح مدح المسيء ويحسن ذمه ولو لا أن تكون الأفعال باختيار الفاعل وقدرته لما كان فرق بين الأعمال الحسنة
__________________
(١) مؤمن. الآية ٥٠.