قال المصنّف رفع الله درجته
ومنها أنّه يقبح منه تعالى حينئذ تكليفنا فعل الطاعات واجتناب المعاصي ، لأنّا غير قادرين على ممانعة القديم ، فإذا كان الفاعل للمعصية فينا هو الله تعالى ، لم نقدر على الطاعة ، لأنّ الله تعالى إن خلق فينا فعل الطاعة ، كان واجب الحصول ، وإن لم يخلقه كان ممتنع الحصول ، ولو لم يكن العبد متمكّنا من الفعل والتّرك كانت أفعاله جارية مجرى حركات الجمادات ، وكما أنّ البديهة حاكمة بأنّه لا يجوز أمر الجماد ونهيه ومدحه وذمّه وجب أن يكون الأمر كذلك في أفعال العباد ، ولأنّه تعالى يريد منّا فعل المعصية ويخلقها فينا ، فكيف نقدر على ممانعته؟ ولأنّه إذا طلب منّا أن نفعل فعلا ولا يمكن صدوره عنّا ، بل إنّما يفعله هو ، كان عابثا في الطلب مكلّفا لما لا يطاق ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا انتهى.
قال النّاصب خفضه الله
أقول : هذه الشّبهة اضطرّت المعتزلة إلى اختيار هذا المذهب ، وإلا لم يجزأ (١) أحد من المسلمين على إثبات تعدّد الخالقين في الوجود ، والجواب أنّ تكليف فعل الطاعات واجتناب المعاصي باعتبار المحلّية لا باعتبار الفاعليّة ، ولأنّ العبد لما كان قدرته واختياره مقارنا للفعل صار كاسبا للفعل ، وهو متمكّن للفعل والتّرك باعتبار قدرته واختياره الموجب للكسب والمباشرة ، وهذا يكفي في صحّة التّكليف ولا يحتاج إلى إثبات خالقيّته للفعل وهو محلّ النزاع ، وأما الثواب أو العقاب المترتّبان على الأفعال الاختياريّة فكسائر العاديات المترتبة على أسبابها بطريق العادة من غير لزوم عقليّ واتجاه سؤال ، وكما لا يصحّ عندنا أن يقال : لم
__________________
(١) بضم العين : اقدم وهجم.