لم يستوجب الظلم ، والظلم تصرّف في حقّ الغير ، والله تعالى لا يظلم الناس في كلّ تصرّف يفعل فيهم ، وقد روي أنّ عمرو بن العاص سأل أبا موسى الأشعري رضياللهعنه ، فقال : يخلق فيّ المعصية ثمّ يعذّبني بها فقال : أبو موسى لأنّه لم يظلمك ، وتوضيح هذا المبحث أنّ النّظام الكلّي في خلق العالم يقتضي أن يكون فيه عاص ومطيع كالبيت الذي يبنيه حكيم مهندس ، فانّه يقتضي أن يكون فيه بيت الرّاحة ، ومحلّ الصلاة وإن لم يكن البيت مشتملا على المستراح كان ناقصا ، كذلك إن لم يكن في الوجود عاص لم يكمل النظام الكلّي ، ولم يملأ النّار من العصاة ، وكما أنّه لا يستحسن أن يعترض على المهندس إنّك لم عملت المستراح ولم لم تجعل البيت كلّه محلّ العبادة ومجلس الأنس؟ كذلك لم يحسن أن يقال : لخالق النظام الكلّي : لم خلقت العصاة؟ ولم لم تجعل العباد كلّهم مطيعين؟ لأنّ النّظام الكلّي كان يقتضي وجود الفريقين ، فالتّصرف الذي يفعل صاحب البيت في جعل بعضه مسجدا ، وبعضه مستراحا هل يقال : هو ظلم!؟ فكذلك تصرّف الحقّ سبحانه في الوجود بأىّ وجه يتفق لا يقال : إنّه ظلم ولكنّ المعتزليّ الأعمى يحسب أنّ الخلق منحصر فيه ، وهو مالك لنفسه والله ملك عليه لا يعلم أنّه مالك مطلق ، ألا ترى؟ أنّ الرّجل الذي يعمل عملا ويستأجر على العمل رجالا ويستعمل معهم بعض عبيده الأرقّاء ، فإذا تمّ العمل أعطى الاجراء أجرتهم ، ولم يعط العبيد شيئا هل يقال : إنّه ظلم العبد؟ لا شكّ أنّه لا يقول عاقل : إنّه ظلم العبد ، وذلك لأنّه تصرّف في حقّه بما شاء ، ثمّ إنّ هذا الرجل لو حمل العبد فوق طاقته ، أو قطع عنه القوت واللّباس يقال : إنّه ظالم ، وذلك لأنّه تجاوز عن حدّ ما يملكه من العبد وهو التّصرّف حسبما أذن الله تعالى فيه ، فإذا تجاوز من ذلك الحدّ ، فقد ظلم ، وذلك لأنه ليس بالمالك المطلق ، ولو كان هو المالك المطلق ، وكان له التّصرف حيثما شاء وكيفما أراد لكان كلّ تصرّفاته عدلا لا جورا وظلما ، كذلك الحقّ سبحانه هو المالك المطلق ، وله التّصرّف كيفما