وظاهر أنه لو لم يجب استقلال العبد في فعله ، لزم رفع فائدة البعثة ويصح السؤال لكونه ظلما على التحقيق. الخامس أن ما ذكره من أنّ التكليف والتأديب والبعثة والدّعوة قد تكون دواعي العبد إلى الفعل إلخ مدخول بأنّ الإنسان مجبول على الفعل سواء بعث إليه النبيّ أولا ، فلا حاجة لهم في أصل الفعل إلى بعثة النبيّ الدّاعي لهم إلى ذلك كما لا يخفى ، ثم ما ذكره الناصب من الإلزام غير لازم لما سيجيء من أنّ علمه تعالى تابع للمعلوم ، لا علّة له ، فانتظر ، على أنه لو تمّ لزم أن تكون أفعاله تعالى أيضا اضطرارية لجريانه فيه بعينه ، فما لم يلزمنا في مسألة علم الله تعالى ، لزمكم في مسألة خلقه تعالى للأعمال المعللة بعلمه على ما زعمتموه فتدبر.
قال المصنف رفع الله درجته
ومنها أنه يلزم أن يكون الله تعالى أظلم الظالمين تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا لأنّه إذا خلق فينا المعصية ، ولم يكن لنا فيها أثر البتة ، ثمّ عذبنا عليها وعاقبنا على صدورها منه تعالى فينا ، كان ذلك نهاية الجور والعدوان ، نعوذ بالله من مذهب يؤدّي إلى وصف الله تعالى بالظلم والعدوان ، فأىّ عادل سوى الله تعالى وأىّ منصف سواه وأىّ راحم للعبد غيره؟ وأىّ مجمع الكرم والرحمة والإنصاف؟ مع أنه يعذبنا على فعل صدر عنه ، ومعصية لم تصدر عنا (١) ، بل منه «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : نعوذ بالله من نسبة الظلم والعدوان إلى الله المنان ، وخلق المعصية في العاصي
__________________
(١) وقد يجاب عن هذا بأن عذاب العبد ومعاقبته انما هو للكسب لا للإيجاد فلا يلزم الظلم ، وفيه أنه ان لم يكن للعبد هنا تأثير ، فالظلم لازم ، وان كان له تأثير في شيء سواء سمى كسبا او غيره ، فيكون العبد موجدا وهو المطلوب. منه «قده».