المدح والذّم باعتبارها ، فنقول في تقرير دليل المصنّف : لو لم يكن العبد فاعلا لبعض الأفعال ، بل كان فاعل الكل هو الله تعالى لم يكن الحسن والقبح شرعيّين كما زعمه الأشاعرة ، إذ لو كانا شرعيين لم يتحقّق قبيح ، إذ لا فاعل إلا الله ولا قبيح منه كما قرّروا ، والكسب المنسوب إلى العبد فعل الله أيضا ، والذّم باعتبار المحلّية غير معقول كما مرّ الثاني أنّ ما ذكره بقوله : وأمّا الثّواب والعقاب المترتّبان على الأفعال إلخ مبنيّ على نفى الأسباب الحقيقية وقد مرّ ما فيه فتذكر ، على أن الكلام هاهنا في ترتب استحقاق الثواب والعقاب لا في أنفسهما فافهم ذلك ، الثالث أنّ ما ذكره من مثال الإحراق عقيب مسيس النار لا يطابق الممثل أصلا ، إذ مع قطع النظر عن المغايرة بوجوه شتى يكابر فيها الأشاعرة لا ريب أنّ في المثال المذكور لم يقع أمر ونهى ووعد ووعيد في فعل الإحراق ، فلهذا لا يصح السؤال عنه ، وأيضا إنما لا يسئل عن فعل النار ، لأنّه جماد لا حياة له ولا إرادة ، لا لأنه ليس بسبب للإحراق حقيقة كما توهموه ، وبالجملة لو كان ترتب الثواب والعقاب على الأفعال كترتب الإحراق على مسيس النار من دون أن يكون له سببية حقيقية كما زعموه ، لم يكن للبعثة وما يتعلق بها من الترغيب والترهيب والحثّ على تحصيل الكمالات وإزالة الرّذائل ونحو ذلك فائدة ، إذ لا تظهر فائدة ذلك إلا إذا كان لقدرة العبد وإرادته تأثير في أفعاله ويتولى مباشرتهما بالاستقلال ، الرابع أنّ قوله : وكما لا يصح عندنا أن يقال إلخ مع أنه لا ارتباط له بكلام المصنف قدسسره مردود بما سبق من أنّ التصرف إن كان بطريق حسن ، فهو حسن ، وإلّا فهو قبيح ، فانا إذا وعدنا عبيدنا بالاعتاق والانعام بفعل ما يورث مشقة عظيمة عليهم ، وبالسياسة لتركه ففعله بعضهم على ما أردناه وتركه بعضهم مشتغلا بما يلتذ به مما كنا مانعين عنه ، ثم أعتقنا العاصي وأنعمنا عليه وعاقبنا المطيع المتحمل للمشقة انقيادا لأمرنا يحكم العقلاء بظلمنا البتة ، بخلاف ما لو أعتقنا بعض عبيدنا ابتداء ، وأمرنا بعضا آخر بخدمة شاقة لا يتجاوز طاقته ، فانه لا يعد ظلما واللازم على الأشاعرة نظير الأوّل دون الثاني ،