فتلك التّفرقة التي تحكم بها الضرورة لا تجدي للمخالف نفعا. ثم إنّ دعوى الضرورة في إثبات هذا المدّعى باطل صريح ، لأنّ علماء السّلف كانوا بين منكرين لإيجاد العبد فعله ، ومعترفين مثبتين له بالدّليل ، فالموافق والمخالف له اتّفقوا على نفي الضّرورة عن هذا المتنازع فيه ، لا التّفرقة بالحسّ بين الفعلين فانّه لا مدخل له في إثبات المدّعى ، لأنّه مسلّم بين الطرفين فكيف يسمع نسبة كلّ العقلاء إلى إنكار الضّرورة فيه ، وأيضا أنّ كلّ سليم العقل إذا اعتبر حال نفسه ، علم أنّ إرادته للشّيء لا تتوقف على إرادته لتلك الإرادة وأنّه مع الإرادة الجازمة منه الجامعة (١) يحصل المراد ، وبدونها لا يحصل (٢) ، ويلزم منها (٣) أنّه لا إرادة منه ، ولا حصول الفعل عقيبها منه ، وهذا ظاهر للمنصف المتأمّل فكيف يدّعى الضرورة في خلافه؟ فعلم أنّ كلّ ما ادّعاه هذا الرّجل من الضّرورة في هذا المبحث فهو مبطل فيه «انتهى».
أقول
إثبات القدرة بدون التأثير من سخيف القول كما مرّ ، وسيجيء عن قريب إن شاء الله تعالى ، والتّمسك بجريان العادة قد أسبقنا في بيان فساده ما لا يحتاج إلى الإعادة ، وأمّا الكسب (٤) فقد اكتسب من السّخف والفساد ما اكتسبا وزيادة ، وأمّا ما ذكره بقوله : فنحن أيضا نقول : إنّا فاعلون إلخ فهو كاذب فيه ، كيف؟ وهم صرّحوا
__________________
أن يكون المدار جزءا أخيرا من العلة المستقلة.
(١) للشرائط وارتفاع الموانع.
(٢) بل يحصل له تلك الإرادة سواء أرادها او لم يردها.
(٣) اى من المقدمات التي علمتها بالوجدان.
(٤) فراجع ص ٣٩٩ من الجزء الاول حتى يتبين لك اضطراب القوم في معناه ان هذا المخترع لا يسمن ولا يغنى بل يلقى صاحبه في الحوالك.