لكن العجب من ابن حجر لماذا أحال التأويل اللائق إلى غيره وقد كان عليه أن يذكره بنفسه وهو بصدد الدفاع عن الأحاديث الصحاح؟!
نعم ، نظر بعضهم في تأويله وذكرت وجوه ، فقال الداني بالنسبة إلى ما روي عن عثمان ـ على فرض صحته ـ : (وجهه أن يكون أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم).
وأجاب ابن أشتة عن هذه الآثار كلها بأن المراد : (أخطأوا في الاختيار وما هو الأولى للجمع عليه من الأحرف السبعة ، لا أن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن.
فمعنى قول عائشة : (حرف الهجاء) ألقي إلى الكاتب هجاء غير ما كان الأولى أن يلقى إليه من الأحرف السبعة ، وكذا معنى قول ابن عباس : (كتبها وهو ناعس) يعني : فلم يتدبر الوجه الذي هو أولى من الآخر. وكذا سائرها) (٢٥).
وأتعب السيوطي نفسه في هذا المقام ، فإنه بعد أن أورد الآثار بين وجه الإشكال فيها وتصدى لتأويلها ... ولننقل عبارته كاملة لننظر هل جاء (بما يليق)؟ :
قال : (هذه الآثار مشكلة جدا ، وكيف يظن بالصحابة أولا : أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن ، وهم الفصحاء اللد؟! ثم كيف يظن بهم ثانيا : في القرآن الذي تلقوه من النبي [صلىاللهعليهوآله] كما أنزل ، وحفظوه وضبطوه وأتقنوه؟! ثم كيف يظن بهم ثالثا : اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته ... ثم كيف يظن بهم رابعا : عدم تنبههم ورجوعهم عنه؟!
ثم كيف يظن بعثمان : أنه ينهى عن تغييره؟! ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ ، وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف؟! هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة.
وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة :
أحدها : أن ذلك لا يصح عن عثمان ، فإن إسناده ضعيف مضطرب
__________________
(٢٥) الإتقان ٢ / ٣٢٩.