ولما كانت كل الاختلافات في شخصيته تدور حول موقفه من آل البيت ـ عليهمالسلام ـ ومذهبهم ، فنحن ندرس هذا الموقف على ضوء ما وصلنا من مؤلفاته ، وخاصة تفسيره المخطوط المعروف باسم (مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار) (٢).
الإمامة السياسية والإمامة الدينية
واضح أننا لا نجد في مصادر الفكر الإسلامي السياسية (القرآن والسنة) انفصال بين الإمامة السياسية والإمامة الدينية. ورسول الله ـ صلىاللهعليهوآله وسلم ـ جمع بين إمامة الدين والدنيا ، بسبب عدم انفصال الاثنين في نظر الإسلام ، لكن الذي حدث بعد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ هو ظهور نوع من الانفصال بين الإمامتين ، فكان في المجتمع الإسلامي دوما شخصية بارزة في الحكم هو (الخليفة) ، ثم كان في المجتمع أيضا (إمام) أو (أئمة) يرجع إليهم الناس في شؤون دينهم ، وتلقي أحكامهم.
هذا الانفصال ظهر ـ طبعا ـ في غير مدرسة أهل البيت عليهمالسلام ، لأن أتباع مدرسة أهل البيت كانوا يرون أن الإمامتين مجتمعتان في شخص (الإمام) ، وإن كان هذا الإمام مقصيا عن ممارسة دوره في الحكم.
جدير بالذكر أن هذا الانفصال بدأ يتضح ويتبلور أكثر فأكثر منذ نهضة الحسين بن علي ـ عليهالسلام ـ بعد أن حطمت هذه النهضة قدسية الخلافة الأموية (٣) ، ثم بدأ الافتراق بين الإمامتين يتسع ويأخذ طابعا تشريعيا (٤) مع توالي
__________________
(٢) النسخة التي راجعناها من تفسير الشهرستاني تتضمن جزءين في مجلد واحد. وتحتوي على مقدمة وتفسير سورتي الحمد والبقرة فقط. وهي نسخة وحيدة ـ فيما نعلم ـ محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي ، تحت رقم ٨٠٨٦ / ٧٨ ب ، درسنا هذه النسخة وحققنا جزء منها ، في رسالة الدكتوراه ، محفوظة في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية / جامعة طهران.
(٣) ارجع حول دور ثورة الحسين في تحطيم قدسية الخلافة الأموية إلى كتاب : (ثورة الحسين) ، محمد مهدي شمس الدين.
(٤) ارجع إلى (نظام الحكم والإدارة في الإسلام) ، محمد مهدي شمس الدين ، ص ٩٧ ـ ٩٩ و ١٠٣ ـ ١٠٤ و ١٠٧ ـ ١١٢ ، ففيه توضيح مستند بشأن اتخاذ الإمامة السياسية طابعا بعيدا عن المعايير الرسالية.