إلى هذه الآية من سورة براءة : ثم انصرفوا صرف الله ... فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن ، فقال أبي بن كعب أقرأني بعدها آيتين : لقد جاءكم رسول ...» (٤٩).
وهكذا ترتفع جميع الشبهات حول القرآن الكريم بعد سقوط الأحاديث التي هي المناشئ الأصلية لها ...
ويبقى الكلام حول ما صنعه عثمان .. فهل جمع القرآن من جديد؟ وكيف؟ وبواسطة من؟
لقد اختلفت أحاديث القوم وكلمات علمائهم في هذا المقام أيضا ، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدم .. ولما كان الصحيح كون القرآن مكتوبا على عهد الرسول ـ صلىاللهعليهوآله ـ ومجموعا مدونا قبل عهد عثمان بزمن طويل ، بل لا دور لمن تقدم عليه في جمعه ... فالصحيح أن الذي فعله عثمان على عهده لم يكن إلا جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة المشهورة المتعارفة بينهم ، المتواترة عن النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ .. ومنعهم عن القراءات الأخرى المبنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، أما هذا العمل فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، لأن مصاحف الصحابة والتابعين كانت مختلفة حتى أن بعض العلماء ألف في اختلافها كتابا خاصا ، وكان لكل من الصحابة أتباع في البلاد يقرؤون على قراءته ، ومن الطبيعي أن يؤدي الاختلاف في قراءة القرآن إلى ما لا تحمد عقباه ... بل أعلن بعض الأصحاب تأييده لما قام به عثمان ، ورووا عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ أنه قال : «لا تقولوا في عثمان إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا. قال : ما تقولون في هذه القراءة ، فقد بلغني أن بعضهم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفرا. قلنا : فما ترى؟ قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا يكون فرقة ولا اختلاف. قلنا : فنعم ما رأيت (٥٠) وعنه أنه قال : «لو وليت لفعلت مثل الذي
__________________
(٤٩) مجمع الزوائد ٧ : ٣٥.
(٥٠) فتح الباري ٩ : ١٥.