بقوله «مشرفا» فإن أصل الشرف لغة هو العلو بتسنيم مأخوذ من سنام البعير ، وعليه فيحسن ذلك القيد ، بل يلزم ويكون بلسان أهل العلم (قيدا احترازيا). أما على معنى ساويته فالقيد لغو صرف ، بل مخل بالغرض المقصود.
وبعد هذا كله فهل من قائل عني لذلك المفتي ، مفتي علماء المدينة الذي أفتى بجواز هدم القبور أو وجوبه استنادا إلى ذلك الحديث : يا هذا! من أين جئت بتلك النظرية الحمقاء ، والحجة العوجاء ، والبرهنة المعكوسة ، والمزعمة المقلوبة التي ما وهمها واهم ، ولا خطرت على ذهن جاهل فكيف بالعالم؟! اللهم إلا أن يكون «ابن تيمية» أو بعض ذناباته فإن الرجل ترويجا لأباطيله ، وتمشية لأضاليله ، حيث تعوزه الحجة والسند قمين بتحوير الحقائق ، وقلب الأدلة ، والتلاعب بالحجج والبراهين تلاعبه بالدين «كما تلاعبت الصبيان بالأكر».
لا يا هذا ، إن الشمس لا تستر بالأكمام ، وإن الحق لا يسحق بزخارف الكلام وسفاسف الأوهام ... إن حديث «لا تدع قبرا إلا سويته» دليل عليك لا لك ، وحجة قاطعة لأضاليلك وقالعة لجذور أباطيلك ، فإن معناه الذي لا يشك فيه إنسان من أهل اللسان «سويته أي : عدلته وسطحته ، لا ساويته وهدمته» ، وبهذا المعنى لا يكون معارضا لشئ من الأحاديث حتى يحوج من له حظ من صناعة الاستنباط إلى الجمع والتأويل ، وهذا هو معناه بذاته وظاهر من نفس مفرداته وتركيبه ، لا الذي يحصل بعد الجمع كما يظهر من عبارة شارح البخاري المتقدمة.
نعم ، لو أبيت إلا عن حمل «سويته» على معنى ساويته بالأرض وجاملناك على الفرض والتقدير ، حينئذ تجئ نوبة المعارضة ويلزم الصرف والتأويل ، وحيث أن هذا الخبر بانفراده لا يكافئ الأخبار الصحيحة الصريحة الواردة في فضل زيارة القبور ومشروعية بنائها ، حتى أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ سطح قبر إبراهيم ، فاللازم صرفه إلى أن المراد : لا تدع قبرا مشرفا قد اتخذوه