والدعامة الإسلامية ، وعكش الآية فصار يكفر المسلمين ويضرب بعضهم ببعض ، وما انجلت تلك الغبرة إلا وهم آلة بأيدي الأعداء ينقضون دعائم الدين ، ويقتلون بهم المسلمين ، ويصلون ما أمر الله بقطعه ، ويقطعون ما أمر الله بوصله ، فإذا طولبوا بالدليل والبرهان ، وجاء حديث السنة والقرآن ، فالجواب الشافي عند السيف والسنان ، والنصف مع البغي والعدوان ، والحق مع القوة والسطوة ، والعدل والسواء ، في الغلبة والاستيلاء.
نعم ، ليس للقوم فيما وقفنا عليه من كتب أوائلهم وأواخرهم ، وحاضرهم وغابرهم حجة عليها مسحة من العلم أو روعة من البيان ، وطلاء من الحقيقة ، سوى قولهم : إن المسلمين في زيارتهم للقبور وطوافهم حولها واستغاثتهم بها وتوسل الزائر بالملحود في تلك المقابر قد صاروا كالمشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام ، وأصبحوا يعبدون غير الله ليقربهم إلى الله تعالى كما حكى الله سبحانه في كتابه الكريم حيث يقول عنهم : «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» (٣٦) فلم يقبل الله منهم تلك المعذرة ، ولا أخرجهم ذلك الزعم عن حدود الشرك والضلالة.
هذه هي أم شبهاتهم ، وأس احتجاجاتهم ، وأقوى براهينهم ودلالاتهم ، وإليها ترجع جميع مؤاخذاتهم على غيرهم من طوائف المسلمين من مسألة الشفاعة والتوسل ، والتبرك والزيارة ، وتشييد القبور ، إلى كثير من أمثال ذلك مما يزعمون أنه عبادة لغير الله ، وهو على حد الشرك بالله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وأنا أقول : لعمر الله والحق ما أكبر جهلهم! وأضل في تلك المزاعم عقلهم! وليت شعري من أين صح ذلك القياس والتشبيه؟! تشبيه المسلمين بالمشركين وقياسهم بهم مع وضوح الفرق في البين ، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى كما هو صريح الآية ، والمسلمون لا يعبدون القبور ولا أربابها ، بل يعبدون الله وحده لا شريك له عند تلك القبور. والقياس الصحيح
__________________
(٣٦) الزمر : ٣.