السواء ، لا فضيلة لبعضها على البعض ، وإنما هي مواضعات ورسوم واصطلاحات وضعت لأجيال الناس للإفهام والإعلام ، لتكون دلالات على المقاصد والأغراض.
وذكرتم أن في لغة العرب دقائق وأسرارا لا ننال إلا بجهد التأمل وفرط التيقظ ، فلا يخفى أن هذه الأسرار والدقائق لا يمكن دعواها في الأسماء المفردة والأفعال المفردة والحروف المفردة ، وإنما يمكن دعوى هذه الأسرار على تقدير ارتباط الكليم ، وجعل بعضها يتصل بسبب بعض وينتظم ، ومثل هذا موجود في كل لسان إذا ربطت بعض الكلم ببعض ، وراعيت في ربطها الأليق فالأليق ، حصل لك المقرر والمقصود ، وقارن في هذه القضية لغة العرب وغيرها من اللغات على السواء.
ومنها : أنه لا يخفى أن القرآن سيد معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام ، والعلم بكونه معجزا علم ضروري ، ولكن الشأن في بيان إعجازه ، فمن قائل يقول وهو النظام (١) ومن تبعه : إن الآية والأعجزية في القرآن اختصاصه بالإخبار عن الغيوب بما كان ويكون ، وبمنع الله العرب أن يأتوا بمثله. قال : وأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد ، لولا أن الله تعالى منعهم وأعجزهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم.
ومن قائل يقول : وجه الاعجاز في القرآن أنه أسلوب من أساليب الكلام ، وطريقة ما عهدها العرب ولا عرفوها ، ولم تكن مقدورة لهم.
ومن قائل يقوله : وجه الاعجاز فيه علمنا بعجز العرب العاربة على أن
__________________
(١) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري ، أبو إسحاق النظام ، من أئمة المعتزلة ، تبحر في علوم الفلسفة ، واطلع على أكثر ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيين ، وانفرد بآراء خاصة ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل ، تابعته فيها فرقة من المعتزلة ، سميت «النظامية» نسبة إليه ، أما شهرته بالنظام فبعض يقول : إنها من إجادته نظم الكلام ، وبعض يقول : إنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ، توفي سنة ٢٣١ ه.
أنظر «أمالي المرتضى ١ : ١٣٢ ، تأريخ بغداد ٦ : ٩٧ ، الملل والنحل ١ : ٥٦ ، سفينة البحار ٢ : ٥٩٧ ، الأعلام ١ : ٤٣».