مدارج وميز أسلسها على الأسلات (٢٣) ، وأعذبها على العذبات (٢٤) ، وأحلاها في الذوق وأسمحها ، وأبهاها عند السبر وأملحها ، وأبعدها من مج الأسماع ، وأقربها امتزاجا بالطباع ، وأوقعها لفحول الأمة الناغمة بأجراسها ، وأحسنها طباقا لطرق أنفاسها.
ولما انتقل من انتقاء وسائطها ، بعد انتقاد بسائطها ، إلى أن يؤلف ويركب ، ويرصف ويرتب ، عمد في عمل التراكيب إلى أشرف الأنماط والأساليب ، فألف أنماطا تستهش (٢٥) أنفس الناطقين ، وكلمات تتحلب (٢٦) لها لهى (٢٧) الذائقين ، وتجول في فجوات الأفواه ، فتتمطق (٢٨) بها مستلذات ، ويطرق بها الآذان فتهوي بها مغذات (٢٩) ، وما طنت على مسامع أحد من أجيال الأعاجم ، وأخياف الطماطم (٣٠) إلا أصغى إليها متوجسا ، وأصاخ لها مستأنسا ، وأناس (٣١) فوديه (٣٢) مستعجبا ، وأمال عطفيه مستغربا ، وقال : ما هذا اللسان المستلذ على الصماخ (٣٣) إيقاعه ، المحلولى في مخارق الآذان استماعه ، المفارق لجميع اللغات والألسنة ، المصون من الحروف الملكنة.
__________________
(٢٣) الأسلات : جمع أسلة ، وهي طرف اللسان «النهاية ـ أسل ـ ١ : ٤٩».
(٢٤) عذبة اللسان : طرفه ، والجمع «عذبات» كقصبة وقصبات. «مجمع البحرين ـ عذب ـ ٢ : ١١٧».
(٢٥) يقال : استهشني أمر كذا فهششت له أي استخفني فخففت له «لسان العرب ـ هشش ـ ٦ : ٣٦٤».
(٢٦) تحلب العرق وانحلب أي سال «الصحاح ـ حلب ـ ١ : ١١٥».
(٢٧) جمع لهاة ، وهي اللحمات في سقف أقصى الفم «النهاية ـ لها ـ ٤ : ٢٨٤».
(٢٨) يقال : ذاقه فتمطق له إذا ضم شفتيه إليه وألصق لسانه بنطع فيه مع صوت «أساس البلاغة : ٤٣٢».
(٢٩) مغذات : مسرعات.
(٣٠) أخياف أي مختلفون ، والطماطم جمع طمطم ، وهو الذي في لسانه عجمة لا يفصح. أنظر «أساس البلاغة : ٤٣٢».
(٢٩) مغذات : مسرعات.
(٣٠) أخياف أي مختلفون ، والطماطم جمع طمطم ، وهو الذي في لسانه عجمة لا يفصح. أنظر «أساس البلاغة ـ خيف ـ ١٢٤ ، الصحاح ـ طمم ـ ٥ : ١٩٧٦».
(٣١) ناس الشئ بنوس نوسا ونوسانا : تحرك وتذبذب متدليا. «لسان العرب ـ نوس ـ ٦ : ٢٤٥».
(٣٢) الفود : معظم شعر الرأس مما يلي الأذن ، ووفودا الرأس جانباه «لسان العرب ـ فود ـ ٣ : ٣٤٠».
(٣٣) صماخ الأذن بالكسر : الخرق الذي يفضي إلى الرأس ، وهو السميع ، وقيل هو الأذن نفسها «مجمع البحرين ـ صمخ ـ ٢ : ٤٣٧».