١ ـ بداوة العقلية في عصر الإمام ـ عليهالسلام ـ :
ولعل هذا الاعتراض هو أهم الاعتراضات ، وأظن أن المصدر الأول له هم المستشرقون (٢٠) ، كما يبدو من دائرة المعارف الإسلامية ، وقد تبناه أحمد أمين حيث يقول ـ بعد عرض الروايات السابقة ـ : «كل هذا حديث خرافة ، فطبيعة زمن علي ـ عليهالسلام ـ وأبي الأسود تأبي هذه التعاريف وهذه التقاسيم الفلسفية ، والعلم الذي ورد إلينا من هذا العصر في كل فرع يتناسب مع الفطرة ، وليس فيه تعريف ولا تقسيم ، إنما هو تفسير آية أو جمع لأحاديث ليس فيها ترتيب ولا تبويب ، فأما تعريف وأما تقسيم منطقي فليس في شئ مما صح نقله إلينا عن عصر علي وأبي الأسود» (٢١).
وسعيد الأفغاني يؤيد أحمد أمين في رأيه هذا فيقول : «ولعل الأستاذ ـ أي أحمد أمين ـ لم يكن بعيدا من الصواب حين روى هذا الخبر فعلق عليه ما يلي» (٢٢) ،
__________________
(٢٠) ولا نريد الآن الحديث على المستشرقين ودراسة واقعهم ، فكثير من الباحثين المسلمين والعرب قد درسوا حركة المستشرقين ـ أسسها وأهدافها وآثارها ورجالها ـ دراسة مركزة وتوصلوا إلى نتائج لها أهميتها في هذا المجال ، لعل من أهم هذه الأهداف هي محاولة أكثر المستشرقين ـ لا كلهم بالطبع ـ عن عمد أو غير عمد في تشويه الإسلام والانتقاص من قدرات المسلمين ، وخاصة العناصر والحركات والمعتقدات الصالحة والمستقيمة من المسلمين ، وكان بودي دراسة هذه الحركة لولا ضيق المجال وبعدها عن صميم الرسالة وكتابة البعض من الكتاب المسلمين المنصفين عنها ، ولكن من الغريب أن نرى عند بعض كتابنا الإيمان بكل ما يكتبه المستشرقون كحقيقة موضوعية راهنة لا تقبل النقاش ، كأحمد أمين وغيره ، ولو أن الحديث عن أحمد أمين لا يقل اتساعا وغرابة من الحديث حول المستشرقين وخاصة موقفه من الشيعة ـ معتقداتها وأحاديثها ورجالها ـ وقد درس هذا الموقف منه بعض كتاب الشيعة ، فلعل رأيه هذا ـ في وضع النحو ـ كسائر مواقفه تجاه الشيعة ، كما نلاحظ تأثره بالمستشرقين في هذا المجال عند قوله عن هذه الروايات بأنها (حديث خرافة) وهو نفس التعبير الذي أطلقه بعض المستشرقين كما يلاحظ ذلك من النص الذي نذكره عن إبراهيم مصطفى ، ومن هنا نرى مدى تأثير المستشرقين على فكرنا المعاصر ونلاحظ أيضا مدى بقاء الأفكار التقليدية الجاهلية في أذهان البعض.
(٢١) ضحى الإسلام ٢ / ٢٨٥.
(٢٢) في أصول النحو : ١٥٥.