إن الشتاء غنيمة |
|
موفورة للعابدينا |
قصر النهار لمن يصوم |
|
وطول ليل القائمينا |
قال أهل العلم : في الليل تنقطع الأشغال ، وتجمر الأذهان ، ويصح النظر ، وتؤلف الحاكم ، وتدر الخواطر ، ويتسع مجال القلب.
والليل أضوأ في سبل الفكر ، وأخفى لعمل الشر ، وأصح لتلاوة الذكر.
قال الله جل ثناؤه : (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا) (٦٠).
قالوا : ومدبرو الملك مختارونه على النهار لما في ذلك من صحة التدبير ، وتصحيح المعاني ، وتقويم المباني ، وإظهار الحجج ، وإيضاح النهج ، وجمع المبسوط ، وبسط المجموع.
ثم مؤلفوا الكتب يختارونه على النهار لأن القلب بالنهار طائر ، وفي الليل ساكن ، وبذلك يصيبون نظم الكلام وتقريبه من الأفهام ، وبتدبير الليل يعرف الخاصة للملك الحازم وتنقاد العامة له ، وقديما كان يقال : الليل نهار الأديب.
وكان من حديث ذلك فيما حدثني به أبي أن بعض البرامكة ولى ابنه ولاية ، فبلغه عنه إهماله للرعية ، وإقباله على اللهو ، فكتب إليه :
انصب نهارا في طلاب العلى |
|
واصبر على ترك لقاء الحبيب |
حتى إذا الليل دنا مقبلا |
|
واستترت فيه وجوه العيوب |
فبادر الليل بما تشتهي |
|
فإنما الليل بأمر الأديب |
كم من فتى تحسبه ناسكا |
|
فبات في خفض وعيش خصيب |
ولذة الأحمق مكشوفة |
|
يسعى بها كل عدو رقيب |
قالوا : ومما وصف به الليل قول القائل :
ولم أر مثل الليل جنة فاتك |
|
إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك |
__________________
النجوم الزاهرة ٤ / ١٣٥».
(٦٠) المزمل ٧٣ : ٦.