بني هاشم في هجرانهم إياهم وتباعدهم عنهم ، كل ذلك خلافا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمضى ناس من ساداتهم إلى ناس آخرين وأظهروا ندمات على ما كان منهم في شأن الصحيفة ، وكان منهم أبو البختري العاص بن هشام والمطعم بن عدي وزهير بن أبي أمية وزمعة بن الأسود وغيرهم ، فنقضوا الصحيفة وقالوا : نحن براء مما في هذه الصحيفة. فبلغ ذلك أبو الجهل فقال : هذا أمر خفي بليل. وأما ما قال الشعراء في مثل فقول الأعشى (٧٣) :
رحلت سمية غدوة أجمالها |
|
غصبى عليك فما تقول بدالها |
هذا النهار بدا لها من همها |
|
ما بلها بالليل زال زوالها |
يقول : إن ارتحالها كان من همهما بالليل ثم ارتحلت نهارا.
وقال الشماخ (٧٤) :
سترجع ندمى خسة الحظ عندنا (٧٥) |
|
كما قطعت منا بليل وصالها |
وقال رجل من كلب :
ظعنوا بليل واستقرت غيرهم |
|
والليل كان إلى النهار رسولا |
ما للنهار إلي ذنب فاعلموا |
|
والليل هيج لي البكاء طويلا |
__________________
(٧٣) ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة والوائلي ، أبو بصير المعروف بأعشى قيس ، ويقال له أعشى بكر بن وائل ، والأعشى الكبير ، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات ، عاش عمرا طويلا ، وأدرك الإسلام ولم يسلم ، ولقب بالأعشى لضعف بصره ، وعمي في أواخر حياته ، مولده ووفاته في قربة «منفدحة» باليمامة قرب مدينة الرياض ، وفيها داره وبها قبره.
«الأغاني ٩ : ١٠٨ ، خزانة الأب ١ : ٨٤ ، الأعلام ٧ : ٣٤١!.
(٧٤) الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني ، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ، وهو من طبقة لبيد والنابغة ، وكان أرجز الناس على البديهة ، توفي في غزوة موقان ، وأخباره كثيرة. قال البغدادي وآخرون : اسمه معقل بن ضرار ، والشماخ لقبه.
«الإصابة ٢ : ١٥٤ / ٣٩١٨ ، الأغاني ٩ : ١٥٨ ، خزانة الأدب ١ : ٥٢٦ ، الأعلام ٣ : ١٧٥».
(٧٥) في الأغاني ٩ : ١٦٤ : «سترجع غصبى رثة الحال عندنا» ، وفي الخزانة : «سترجع نزرة الحظ عندنا».