لا يغفل عن مراقبتها ، فإنه من غفل عن مراقبتها لم ير إلا الخيانة وتضييع رأس المال كالعبد ، الخائن إذا انفرد بالمال.
ثم بعد الفراغ سدرة ينبغي أن يحاسبها ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها ، فإن هذه تجارة ربحها الفردوس الأعلى وبلوغ سدرة المنتهى مع الأنبياء والشهداء ، وخسارتها ـ والعياذ بالله ـ عذاب جهنم مع الفراعنة والأشقياء ، إذا ليس في تلك الدار إلا الجنة والنار ، والجنة أعدت للمتقين كما أن النار أعدت للمقصرين ، فتدقيق الحساب في هذا مع النفس أهم كثيرا من تدقيقه في أرباح الدنيا لأنها محتقرة بالإضافة إلى نعيم العقبى ، ثم كيف ما كانت فمصيرها إلى التصرم والانقضاء ، ولا خير في خير لا يدوم ، بل شر لا يدوم خير من خير لا يدوم ، لأن الشر الذي لا يدوم إذا انقطع بقي الفرح بانقطاعه دائما وقد انقضى ، والخير الذي لا يدوم يبقى الأسف على انقطاعه دائما وقد انقضى الخير. ولذلك قيل :
«أشد الغم عندي في سرور |
|
تيقن عنه صاحبه انتقالا» (١٨) |
فحتم على كل ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليه في حركاتها وسكناتها وخطراتها ، فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها ، يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد ، فانقضاء هذه الأنفاس ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك خسران عظيم هائل لا تسمح به نفس عاقل.
فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قبله ساعة لمشارطة النفس ـ كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى الشريك العامل يفرغ المجلس لمشارطته ـ فيقول : يا نفس ، ما لي بضاعة إلا العمر ، ومهما فنى فقد فنى رأس المال ووقع اليأس عن التجارة وطلب الربح ، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني
__________________
(١٨) إحياء علوم الدين ٤ / ٣٩٤ ، ونسب الغزالي هذا البيت في إحياء علوم الدين ٣ / ٢٨٩ إلى المتنبي ، إلا أنني لم أجده في ديوانه.