رجاء لحصول فائدة في المستقبل تزيد (١٤) على ما يفوتهم في الحال زيادة قليلة محدودة مشوبة بالكدورات في زمان حصولها ، منتهية إلى أمد قليل بغير طمع طامع في بقائها ولا رجاء جاهل ولا عاقل في دوامها ، هذا على تقدير سلامتها عن سوء العاقبة ومغبة العاقل وغاية الخسران وهو أعز من الكبريت الأحمر ، فكيف لا يسمع العاقل بترك لذة في الحال للتوصل إلى هذه السعادة ، والفتور عن تهيئة أسبابها إلا لضعف الإيمان باليوم الآخر (١٥) ، وإلا فالعقل الناقص قاض بالتشمير لسلوك سبيل السعادة فضلا عن الكامل.
واعلم أن ضبط العمر في تحصيل السعادة لا يتم إلا بمراعاة النفس كل يوم ومحاسبتها ثم مراقبتها ثم معاقبتها على تقدير التقصير أو الفتور كما هو اللازم مع معاملي الدنيا ، القليل خطرها ، التي لا يضر زوال ما زال منها ولا فوات ما فات منها ، فكما أن التاجر يستعين بشريكه فيسلم إليه المال حتى يتجر ثم يحاسبه ويراقبه ويعاقبه إن قصر ويعاتبه إن غبن ، فكذلك العقل هو التاجر في طريق الآخرة ، ومطلبه وربحه تزكية النفس بتخليها عن الخصال الذميمة وتحليها بالخلال الحميدة فبذلك فلاحها ، فلاحها ، قال الله تعالى : «قد أفلح من زكيها وقد خاب من دسيها» (١٦) والعقل يستعين بالنفس في هذه التجارة ويستعملها فيما يزكيها ، كما يستعين التاجر بشريكه وغلامه الذي يتجر في ماله ، وكما أن الشريك يصير خصما منازعا يجاذبه (١٧) في الربح فيحتاج إلى أن يشارطه أولا ويراقبه ثانيا ويحاسبه ثالثا ويعاتبه أو يعاقبه رابعا ، فكذلك العقل يحتاج إلى مشارطة النفس أولا فيوظف عليها الوظائف ، ويشرط عليها الشروط ويرشدها إلى طريق الفلاح ثم
__________________
(١٤) صفة لقوله : «فائدة».
(١٥) ظاهرا : الآخر.
(١٦) الشمس ١٩ : ٩ ـ ١٠.
(١٧) جاذبته الشئ : نازعته إياه (لسان العرب ١ / ٢٥٨ ، مادة «جذب»).