الفلاح فيها غامض ، وقد اندرس علمه وعمله وانمحى أثره ، والورع المتقي في زماننا من راعى السلامة من المحرمات الظاهرة المدونة في كتب الفقه ، وأهملوا تفقد قلوبهم ليمحوا عنها الصفات المذمومة عند الله تعالى من الحسد والكبر والبغضاء والرياء وطلب الرئاسة والعلى وسوء الخلق مع القرناء وإرادة السوء للأقران والخلطاء ، حتى أن كثيرا لا يعدون ذلك من المعاصي مع أنها رأسها كما أشار إليه صلىاللهعليهوآله بقوله : «أدنى الرياء الشرك» (٤٢) وقوله صلى الله عليه وآله : «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر» (٤٣) وقوله صلى الله عليه وآله : «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» (٤٤) وقوله صلى الله عليه وآله : «حب المال والشرف ينبتان النفاق كما ينبت الماء البقل» (٤٥) ... إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذه الباب. وقد قال صلىاللهعليهوآله : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (٤٦).
فهذه جماع أمر التقوى التي أوصانا الله تعالى بها ، على وجه الإجمال وتفاصيلها تحتاج إلى مجال (٤٧). ولنشفع وصية الله تعالى لعباده بوصية النبي لأمير المؤمنين عليهالسلام : «يا علي ، أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها ـ ثم قال : اللهم أعنه ـ :
أما الأولى : فالصدق ، لا يخرجن من فيك كذبة أبدا ،
والثانية : الورع ، لا تجترئ على جناية أبدا ،
__________________
(٤٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٧٠
(٤٣) صحيح مسلم ١ / ٩٤ كتاب الإيمان ، الباب ٤٠.
(٤٤) الترغيب والترهيب ٣ / ٥٤٧ ، المجازات النبوية : ٢٢١ ، الجامع الصغير ١ / ١٥١ ، حرف الحاء ، روضة الواعظين ٢ / ٤٢٤ ، عدة الداعي : ٤٩٤ ، الكافي ٢ / ٣٠٤ ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام ، وفيه : «الإيمان» بدل «الحسنات».
(٤٥) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ١ / ١٥٥ و ٢٥٦.
(٤٦) الجامع الصغير ، ج ١ حرف الهمزة ، وشرحه : «فيض القدير» ٢ / ٢٧٧ الحديث ١٨٣٢.
(٤٧) في النسخة الثانية : «مجلدات».