تفويتا لمعنى مراد أبدا.
وقد ظهر من خلال ما ذكرنا أن استدلالهم لمنع الرواية بالمعنى ، بما روي عن الرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله :
«نضر الله عبدا سمع مقالتي وحفظها ووعاها ، وأداها كما سمعها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (٢٦).
لا يتم ، وذلك ، لأن رواية المعنى مع مراعاة الشرط المذكور ، أداء لما قاله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا تفاوت ، فإن الرسول في أكثر حديثه كان بصدد تعليم الأحكام الشرعية ، والسنن والآداب الإسلامية ، ولا ريب أن مهمة أصحابه كانت فهم مقاصده ، ودرك معاني كلامه وإرشاداته ، وإبلاغها إلى من وراءهم ، سعيا في نشرها ، وفي مثل هذه الأحاديث لم يكن للألفاظ دور إلا مهمة أداء المعاني وإيصالها ، ولم ينظر إلى ألفاظ الحديث كعبارات خاصة لها ميزة تعبيرية من بلاغة وفصاحة ، ولا تحتوي على جهات بديعية ، خاصة في أجواء التشريع ، حيث كان المجتمع بحاجة إلى إصلاحات سريعة وعميقة.
وبذلك أيضا يرد على من جوز نقل الحديث بالمعنى إلا في حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بدعوى :
«أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أفصح من نطق بالضاد ، وفي تراكيبه أسرار ودقائق ، لا يوقف عليها إلا بها كما هي ، لأن لكل تركيب معنى ... لو لم يراع ذلك لذهبت مقاصدها» (٢٧).
أقول : أما أحاديث الأحكام والسنن ، فقد عرفت أن الغرض المهم فيها هو إيصال المعاني وإبلاغ المقصود ، من دون نظر خاص إلى الألفاظ.
مع أن حديثا ما لو كان محتويا على مثل ذلك كان على الناقل له بالمعنى مراعاته مهما أمكن ونقله ، وإلا لم يكن ناقلا له.
__________________
(٢٦) وصول الأخيار : ١٥١ ، والسنة قبل التدوين : ١٣٤.
(٢٧) وصول الأخيار : ١٥٦.