وأما في غير أحاديث الأحكام والسنن ، من الأحاديث التي أخذ فيها بنظر الاعتبار احتواؤها على كلمات خاصة أو روعي فيها مقتضى الحال ، وناسب تأليفا معينا من الكلمات وتركيبا خاصا من الجمل ، أو حالا لفظية بعينها ، من تقديم أو تأخير ، وفصل أو وصل ، بحيث لو تجاوزه الرواي كان مخالفا لغرض المتكلم ولم يؤد المعنى المراد له.
أما في هذه ، فاشتراط المحافظة على المعنى يقتضي الاحتفاظ بالتراكيب الخاصة ، ولا يجوز نقلها بالمعنى ، لأداء ذلك إلى تغيير الألفاظ المفوت لما ذكرنا.
ولذلك نجد أن الرواة كانوا يحافظون على ذلك أشد المحافظة من دون شك ، فنقلوا الخطب والكتب والرسائل وجوامع الحكم والأدعية المأثورة ، كما وردت عن المعصومين عليهمالسلام مليئة بالمحسنات البديعية ، مفعمة بأسرار البلاغة ، ومزدانة بقوة الفصاحة ، بما يمكن استشمام روح المعصومين عليهمالسلام فيها. ويمكن استشفاف أثرهم عليها.
وفي النهاية هذه الفقرة نقول : إن الدعاء لا يجوز نقله بالمعنى ، بل يلزم المحافظة على نصه ، ولعل الحكمة في ذلك ، مع أن الدعاء عملية روحية أكثر منها لفظية ، أنه يراد من نصوصه أن يتفاعل الداعي منع مولاه ، وأولياء الله ، تفاعلا تاما ، لا روحيا فقط ، بل يلتزم بالاتباع اللفظي لهم ، ويتقيد بالأوامر فيطبقها حرفيا بفكره وبلسانه.
إن الالتزام بنص ورد من الشرع في الدعاء ، لا يعني فقط التوجه إلى الله من أقرب الطرق وأليقها ، بل يعني ـ أيضا ـ السلوك في أبين المسالك ، وأزهرها حجة ، وأنقاها وآمنها محجة.
إن المقصود الأساسي من الدعاء ، وهو الارتفاع إلى مقام القرب بشكل أكثر اطمئنانا ووثوقا ، كما يرفع مستوى الإنسان معنويا بالاقتراب من أقرب البشر إليه ، كذلك يوحد صوته مع أصواتهم القدسية المستلهمة من مقامه الكريم ، وهم محمد وآله الكرام عليهم الصلاة والسلام.