وليس المهم هنا هو معرفة تأثر النحاة بالأصوليين ، ولكن المهم أن نسأل عن الطريقة التي اتبعها هؤلاء النحاة في تأصيل هذه الأصول ، لنحكم بعد ذلك على مقدار قيمتها.
الطرق المتبعة لتأسيس الأصول
المعروف أن النحو ولد أشبه ما يكون بالصناعة الكاملة ـ من ناحية المنهج والاستنتاج ـ في كتب المدرستين القديمة ، وبخاصة في كتاب سيبويه ومعاني الفراء ، وإذا كانت هناك إضافات تستحق الذكر ، بعدهما ، فهي بلا شك حدثت قبل تأسيس الأصول النحوية هذه ، وذلك لأن النحو بعد القرن الرابع بدأ يلوك نفسه ، ويدور ـ كما هو معروف ـ في حلقة مفرغة من التعليلات والأوهام ، ولكنها لا تخرج غالبا عما جاءت به المدرستان من مسائل وأحكام.
والذي نعرفه عن (الأصول) ـ أية أصول سواء أكانت للفقه ، أم للنحو ، أم للأدب ، أم لأي فن آخر ـ م هي إلا مناهج وأصول بحث تقوم عليها أحكام ذلك الفن وقضاياه ، من أجل ذلك ينبغي أن تكون أصول البحث في رتبة سابقة ، أو موازية للبحث أو المبحوث فيه ، وهذه طبيعة كل أساس يراد البناء عليه ، فماذا يراد إذن بهذه الأصول التي جاءت متأخرة جدا عن النحو ، باعتباره صناعة قائمة ، هذه الأصول التي استعارها (مبتكروها) من أصول علم آخر قام جنبا إلى جنب مع النحو ، وبدأ بناة العلمين معا يقيمونهما في عصر متقارب ، ولا بد أن يكون لكل منهما أسسه ومناهجه الملائمة لطبيعته؟
من حيث الأساس هناك تفسيران مقبولان لتدوين أصول أي علم بعد قيامه واكتماله :
١ ـ الطريقة التأسيسية النظرية :
وهي أن يكون هذا التدوين (نقديا نظريا) وذا طبيعة جدلية منطقية ، أي أن واضعي تلك الأصول نظروا في أحكام ومسائل الفن القائم ، فلم تعجبهم