واحد منها ، فلا يشذ عن هذا الحكم ، فالمسألة إذن خاضعة للقياس المنطقي (الاقتران) ، لا للاستصحاب ، وتكون مقدمات القياس هكذا : (صيغة الأمر فعل ، وكل فعل مبني ، إذن صيغة الأمر مبنية).
وكذلك إذا كان المقصود أن : كل فعل غير ما شبه للاسم مبني ، وفعل الأمر غير مشابه للاسم ، إذن هو مبني.
ب ـ وإن كان المقصود من الاستصحاب هنا : أننا كنا على (يقين) من أن الأفعال كلها مبينة ، لأنها تتحمل المعاني الإعرابية كالأسماء ، ثم حصل لنا (شك) ـ أو يقين آخر ـ بأن بعضها يتحمل المعاني الإعرابية لمشابهته الاسم ، فذلك يقتضي نقض اليقين السابق ، أي نقض الأصل ، لأن الذي حصل إن كان يقينا فقد نقضنا اليقين السابق بيقين مثله ، وإن كان (شكا) فليس هو شكا في استمرار اليقين السابق حتى نستصحبه ، وإنما هو شك في أصل وجود اليقين ، أي أن الزمن الذي تيقنا به أن الأفعال كلها مبنية انتقض هو نفسه ، فقد ظهر لنا فيه أن بعض الأفعال غير مبني ، فزال ذلك اليقين.
٢ ـ على أن المسألة خالية من (اليقين) أصلا ، وكلها ظنون يختلف فيها النحاة بحسب اجتهادهم وإن سموها (أصولا) ، فالبصريون يرون أن (أصل الإعراب للأسماء فقط) والكوفيون يرون أن (أصل الإعراب للأسماء والأفعال ، وأصل البناء للحروف) (٩٩) وليست هناك قاعدة عقلية أو غير عقلية تقول : (لا تنقض الظن بالظن) حتى تكون مجالا للاستصحاب.
٣ ـ أن بعض النحاة المتأخرين ، ومنهم الأنباري والسيوطي وبعض الدارسين المحدثين ، يحملون قدماء النحويين ـ بصريين وكوفيين ـ حتى سيبويه والخليل (١٠٠) استدلالهم بقاعدة الاستصحاب ، لأنهم قالوا ـ مثلا ـ : وهذا (مخالف للأصل) أو (موافق للأصل) أو (وهو الأصل) ، أو استدل بعضهم بقاعدة
__________________
(٩٩) الإيضاح ـ للزجاجي ـ : ٧٨.
(١٠٠) أنظر الدكتورة خديجة الحديثي في كتابها (الشاهد وأصول النحو في كتاب سيبويه) : ٤٤٨ ـ ٤٦٤.