وقال في (ج ٢ ص ٩٩ ط القاهرة) :
قال أبو عثمان : فكان جعفر يسميّه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنّه عليهالسلام أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين إلّا من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله صلىاللهعليهوآله وذلك لأنّ فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ومركباتها ، أمّا المفردات فأن تكون سهلة سلسلة غير وحشيّة ولا معقدة ، وألفاظه عليهالسلام كلّها كذلك ، فأمّا المركّبات فحسن المعنى ، وسرعة وصوله إلى الأفهام ، واشتماله على الصفات الّتي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض ، وتلك الصفات هي الصناعة الّتي سماها المتأخّرون البديع من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم وردّ آخر الكلام على صدره ، والترصيع ، والتّسهيم والتّوشيح ، والمماثلة ، والاستعارة ، ولطافة استعمال المجاز ، والموازنة ، والتكافؤ والتسميط ، والمشاكلة ، ولا شبهة انّ هذه الصّفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه ، مبثوثة متفرّقة في فرش كلامه عليهالسلام ، وليس يوجد هذان الأمر ان في كلام أحد غيره فإن كان قد تعملها وأفكر فيها وأعمل رويته في رصفها ونثرها فلقد أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام النّاس كلّهم في ذلك لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله ؛ وإن كان اقتضبها ابتداء وفاضت على لسانه مرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير رويّة ولا اعتمال فأعجب وأعجب ، وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء تنقطع أنفاسهم على اثره ويحقّ ما قال معاوية لمحقن الضبي لمّا قال له : جئتك من عند أعيى النّاس :
يا ابن اللخناء ألعليّ تقول هذا؟ وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره. واعلم أنّ تكلف الاستدلال على أنّ الشمس مضيئة يتعب وصاحبه منسوب إلى السّفه وليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريّا بأشدّ سفها ممّن رام الاستدلال بالأدلّة النظريّة عليها.