بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله حق حمده ، والصلاة على محمد نبيه وعبده ، وعلى آله وصحبه وجنده ، والتابعين لهم بإحسان من بعده وسلم تسليما.
وبعد :
فقد قال النبي صلىاللهعليهوآله ـ فيما رواه عن (١) الخاص والعام من جوامع الكلام وأبلغ العظات المنبهة للنيام ـ : «الدنيا مزرعة الآخرة» (١٢).
فنظرنا بعين الاعتبار وتأملنا بطريق الاستبصار ، فرأينا أن المزرعة تحتاج إلى بذر صاف من شوائب الأغيار خالص عن مخالطة ما يوجب التلاشي والبوار ، واقعا في وقته المعد لصلاحه ، مقدما عليه ما يحتاج إليه من الشرائط ورفع الموانع ، مراعيا حاله ، كذلك إلى أوان حصاده ، وإن أخل بشئ من ذلك أدى الاخلال إلى فساده.
ولا يخفى أن الزرع في هذه الدار للآخرة إنما هو الأعمال الصالحة ، ومتاجرها الرابحة ، وزمان ـ هذه المعاملة : العمر ، وكسبها وتحصيل غلتها : الجنة ، الدائم أكلها ، الخالية عن شوب (٣) الأكدار والنقائص ، والهم والغم ، والحر والبرد ، وغير ذلك من المنافيات ، فهي سرور لا غم معه ، وبقاء لا فناء معه ، ولذة لا ألم معها ، وغنى لا فقر معه ، وكمال لا نقصان معه ، وعز لا ذل معه.
وبالجملة ، كل ما يطلبه الطالب ، أو يتصور طلبه ، فهو حاصل فيها ، وكل ما يهرب عنه ويرد العبد عنه فهو منفي عنها ، وحيث كان البذر هو الطاعات والمعارف ، فمحل البذر وأرضه هو النفس الإنسانية ، وتكليفها بهذه العبادات بمنزلة تقليب الأرض وإعدادها للزراعة وسياقة الماء إليها.
__________________
(١) كذا في المخطوط ، والصواب : عنه.
(٢) عوالي اللآلي ١ : ٣٦٧ / ٦٦ ، كشف الخفاء ومزيل الالباس ١ : ٤٩٥ / ١٣٢٠.
(٣) الشوب : الخلط. وقد شبت الشئ أشوبه فهو مشوب.