والنفس المستغرقة بحب الدنيا والميل إليها كالأرض السبخة ، التي لا تقبل الزرع والإنبات بمخالطة الأجزاء الملحية ، ويوم القيامة يوم الحصاد ، ولا حصاد إلا من زرع ، ولا زرع إلا من بذر.
كما لا ينتفع البذر في أرض سبخة كذلك لا ينتفع إيمان ولا أعمال مع خبت النفس وسوء الأخلاق ، وينبغي للعاقل إذا أراد أن يرجو ثواب الله تعالى في الآخرة أن يقيس رجاءه لذلك برجاء صاحب الزرع ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جعل الدنيا مزرعة الآخرة بهذا المعنى.
فكما أن من طلب أرضا طيبة وبذرها في وقت الزراعة بذرا غير متعفن ولا متآكل ، تنم أخذه بالماء العذب وسائر ما يحتاج إليه في أوقاته ، ثم طهره عن مخالطة ما يمنع نباته من شوك ونحوه ، ثم انتظر من فضل الله رفع الصواعق والآفات المفسدة إلى تمام زرعه وبلوغ غايته ، كان ذلك رجاء في موضعه ، واستحق اسم الرجاء إذا كان في مظنة أن يفوز بمقاصده من ذلك الزرع ، ومن بذره في الأرض كذلك ، لا أنه بذر في آخر الوقت ، ولم يبادر إليه في وقته ، أو قصر في بعض أسبابه ، ثم أخذ ينتظر ثمرة ذلك الزرع ، ويرجو سلامته فهو في جملة الراجين أيضا ، ولكنه لا يصل إلى مقدار محصول الأول.
ومن لم يحصل على بذر صالح أو بذر في أرض سبخة ، أو ذات شاغل عن الانبات ، ثم أخذ ينتظر الحصاد فذلك الانتظار حمق ، والرجاء كاذب ، وهكذا حال العبد ، إن بذر المعارف والأعمال الصالحة في أرض نفسه في وقته وهو مقبل (٤) العمر ، وداوم على سقيه بالطاعات ، واجتهد في طهارة نفسه عن شوك الأخلاق الردية ، التي تمنع نماء ما زرع ، وانتظر من فضل الله أن ينته على ذلك إلى زمان وصوله وحصاد عمله ، فذلك الانتظار هو الرجاء المحمود ، وهو درجة السابقين.
وإن ألقى في نفسه لكنه قصر في بعض أسبابه ، أما بتقصيره في تنقية البذر ،
__________________
(٤) كذا في المخطوط ، والصواب : في مقتبل.