ولن تصل أيها الطالب إلى القيام بأوامر الله تعالى إلا بمراقبة قلبك وجوارحك في لحظاتك وأنفاسك ، من حين تصبح إلى حين تمسي.
واعلم أن الله تعالى يطلع على ضميرك ، ومشرف على ظاهرك وباطنك ، ومحيط على خطراتك ولحظاتك وخطواتك ، وسائر سكناتك وحركاتك ، في مخالطتك وخلواتك ، متردد بين يديه ، فلا يسكن في الملك والملكوت ساكن ، ولا يتحرك متحرك إلا وجبار السماوات مطلع عليه.
فتأدب أيها المسكين ظاهرا وباطنا بين يدي الله تعالى ، تأدب العبد الذليل في حضرة القاهر القادر ، واجتهد أن لا يراك مولاك حيث نهاك ، ولا يفقدك حيث أمرك ، فذلك هو التقوى التي أمر الله تعالى بها ، ورتب عليها في كتابه الكريم فوائد كثيرة (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) (١١) (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) (١٢).
ولا يتم لك ذلك إلا بأن تخصص عمرك القصير ، بأن توزع أوقاتك ، وترتب أورادك من صباحك إلى مسائك ، فإصغ إلى ما يلقى إليك من أوامر الله تعالى ، فإذا استيقظت من منامك فاجتهد أن تستيقظ قبل طلوع الفجر ، وليكن أول ما يجري على قلبك ولسانك ذكر الله تعالى ، وقل عند ذلك : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور (١٣) ، أصبحنا وأصبح الملك لله (١٤) ، والعظمة لله ، والسلطان لله ، والعزة لله ، والقدرة لله ، أصبحنا على فطرة الإسلام ، وعلى كلمة الإخلاص ، وعلى دين نبيا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين (١٥).
اللهم إنا نسألك أن تبعثنا في هذا اليوم إلى كل خير ، ونعوذ بك أن نجترح
__________________
(١١) النمل ١٦ : ١٢٨.
(١٢) الطلاق ٦٥ : ٢ ـ ٣
(١٣) مصباح المتهجد : ١٠٩.
(١٤) مكارم الأخلاق ٢٧٧ ، الوفا بأحوال المصطفى ـ لابن الجوزي ـ ٢ : ٥٤٨.
(١٥) مصباح المتهجد ١٩٠.