اغتناء التجربة الفقهية لهذه المدرسة في الحقول كافة ، وتجذر هذه التجربة وامتدادها رأسيا وأفقيا في عصر غيبة المعصوم (عليهالسلام).
ولأجل استكناه السر في هذه المسألة لا بد من وقفة متأملة وقراءة واعية في التاريخ السياسي والاجتماعي الذي تقلب فيه الشيعة منذ القرن الهجري الأول ، حيث عاش الشيعة وضعا أمنيا وسياسيا خاصا تفردوا به بشكل خاص من بين كل المسلمين ، فقد أقصي أبناء الرسول (صلىاللهعليهوآله) من الأئمة (عليهمالسلام) عن إمامة المسلمين ، وطرد الشيعة تبعا لأئمتهم من المؤسسة السياسية ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، وإنما تعرضوا لحملات قتل وحشي وإبادة جماعية فضلا عن التشريد والتجويع ، وباتت حرماتهم عرضة للانتهاك في أي لحظة ، وأخذ الحكام الطغاة يحصون عليهم أنفاسهم ويلاحقونهم ويسجنونهم ويفتكون بهم على الظنة والتهمة ، ويراقبون نشاطهم عن كثب بحثا عن موقف أو تفكير أو كتابة سياسية مناوئة للنظام ، والتاريخ حافل بسرد نماذج متنوعة من صور الاضطهاد السياسي والقمع العقائدي الذي امتحن به أتباع أهل البيت (عليهمالسلام) في التاريخ ، ويمكن ملاحظة «مقاتل الطالبيين» لأبي الفرج الأصفهاني للتعرف على أساليب القمع الوحشي الذي راح ضحيته أتباع آل أبي طالب (عليهمالسلام).
في مثل هذه الظروف كيف يتمكن الفقيه الشيعي من بلورة نظرية الحكم في عصر الغيبة؟! تلك النظرية التي تنسف الأساس المزيف لولاة الجور الذين تسلطوا على المجتمع الإسلامي ، وكيف يستطيع هذا الفقيه من صياغة النظام المالي في الدولة الإسلامية ، ذلك النظام الذي يفضح اللصوصية التي تتمثل بانتهاب أموال المسلمين من قبل السلاطين؟!!
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لم مجد الفقه الجعفري حاجة عملية للبحث في نظم الدولة ، ما دامت السلطة الحاكمة لا تعترف بشرعية ذلك الفقه ، بل يتعرض للتصفية الجسدية من يعلن موقفا فقهيا مخالفا للسلطان ، كما حصل للشهيدين ، الشهيد محمد بن مكي العاملي ، المعروف بالشهيد الأول ، المقتول سنة ٧٨٦ ه ، والشهيد زين