التجوز من غير ضرورة تلجئ إلى ذلك ، وفيه إيقاع اللبس ، وربما صرف المعنى عن مراد القائل.
ألا ترى أن رئيسا لو أقبل على صاحب له فقال له : أكرم زيدا وعمرا ، وأضرب خالدا وبكرا ، لكان الواجب على الصاحب أن يميز بين الجملتين من الكلام ، ويعلم أنه ابتدأ في كل واحدة منهما ابتداء عطف باقي الجملة عليه دون غيره ، وأن بكرا في الجملة الثانية معطوف على خالد ، كما أن عمرا في الجملة الأولى مطوف على زيد ، ولو ذهب هذا المأمور إلى أن بكرا معطوف على عمرو لكان قد انصرف عن الحقيقة ومفهوم الكلام في ظاهره ، وتعسف تعسفا صرف به الأمر عن مراد الآمر به ، فأداه ذلك إلى إكرام من أمر بضربه.
ووجه آخر : وهو أن القراءة بنصب الأرجل غير موجبة أن تكون معطوفة على الأيدي ، بل تكون معطوفة على الرؤوس في المعنى دون اللفظ ، لأن موضع الرؤوس نصب بوقوع الفعل الذي هو المسح ، وإنما انجرت بعارض وهو الباء.
والعطف على الموضع دون اللفظ جائز مستعمل في لغة العرب (٢١) ، ألا تراهم يقولون : مررت بزيد وعمرا ، ولست بقائم ولا قاعدا؟ قال الشاعر : معاري إننا بشر فأسجح (٢٢) فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٢٣)
__________________
(٢١) من ذلك قول تأبط شرا ـ وهو من شواهد سيبويه ـ : هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق فعطف «عبد» على محل «دينار» وكان حقه الجر ، إلا أنه نصبه عطفا على الموضع ، لأن التقدير «باعث دينارا» ومثله كثير.
الكتاب ١ : ٦٧ ، ١٧١ ، خزانة الأدب ٨ : ٢١٥ ، الحجة للقراء السبعة ٣ : ٢١٥ ، التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ ١١ : ١٦١ ، كنز العرفان ١ : ١٢.
(٢٢) أسجح : أرفق. «الصحاح ـ سجح ـ ١ : ٣٧٢».
(٢٣) البيت لعقبة بن الحارث الأسدي ، وهو من شواهد سيبويه ، احتج به في نسق الاسم المنصوب على المخفوض ، وتبعه في ذلك الزجاج ، والبيت الذي يليه :
أديروها بنو حرب عليكم |
|
ولا ترموا بها الغرض البعيدا |