حسن ، وقد ذكره أبو علي الفارسي (٤٢) في كتاب الحجة في القراءات ، واقتصر عليه دون ما سواه (٤٣) ، ولو كان للجر بالمجاورة فيه وجه لذكره.
فإن قيل : ما أنكرتم أن تكون القراءة بالجر موجبة للمسح ، إلا أنه متعلق بالخفين لا بالرجلين (٤٤) ، وأن تكون القراءة بالنصب موجبة للغسل المتعلق بالرجلين بأعيانهما ، فتكون الآية بالقراءتين مفيدة لكلا الآمرين؟
قلنا : أنكرنا ذلك لأنه انصراف عن ظاهر القرآن والتلاوة إلى التجوز والاستعارة من غير أن تدعو إليه ضرورة ولا أوجبته دلالة ، ذلك خطأ لا محالة ، والظاهر يتضمن ذكر الأرجل بأعيانها ، فوجب أن يكون المسح متعلقا (٤٥) بها دون
__________________
(٤٢) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، الفارسي الأصل ، أحد الأئمة في علوم العربية ، وله فيها تصانيف قيمة ، ولد في «فسا» من أعمال فارس ، وتجول في كثير من البلدان وعاد إلى فارس ومنها إلى بغداد فتوفي بها في سنة ٣٧٧ ه.
أنظر : سير أعلام النبلاء ١٦ : ٣٧٩ ، تأريخ بغداد ٧ : ٢٧٥ ، وفيات الأعيان ٢ : ٨٠ ، معجم الأدباء ٧ : ٢٣٢.
(٤٣) قال قطرب : يجوز أن تكون «وحور عين» مطوفة على الأكواب والأباريق ، فجعل الحور يطاف بهن عليهم ، لأن لأهل الجنة لذة في التطواف عليهم بالحور.
وقال النخاس : الخفض يحمل على المعنى بالعطف على أكواب ، لأن المعنى ينعمون بهذه الأشياء وينعمون بحور عين ، وهذا جائز في العربية كثير.
كما رافق أبا علي الفارسي كثير من العلماء فيما ذهب إليه ، فضلا عن أنهم ذهبوا مذاهب شتى في التأويل بعيدا عن العطف بالجوار.
أنظر : الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٠٤ ، معاني القرآن ـ للقراء ـ ٣ : ١٢٣ ، مغني اللبيب ٢ : ٨٩٥ ، خزانة الأدب ٥ : ٩٥ ، حجة القراءات : ٦٩٥ ، الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ١٧ : ٢٠٤.
(٤٤) قال به الشافعي وبعض علماء الجمهور ، والقائلين به يعولون على الخبر ، لكن الرجوع إلى القرآن أولى من التعويل على الخبر الواحد سيما في هذه الآية ، لوجهين :
أولهما : أجمع المفسرون على أن هذه الآيات لا نسخ فيها ، فامتنع أن يكون المسح على الرجلين منسوخا بالمسح على الخفين.
ثانيهما : إذا افترضنا تقدم خبر «المسح على الخفين» على النزول فإنه منسوخ بالقرآن بالمسح على الرجلين كما تبين ، والأخبار المروية في المسح على الخفين مؤولة بالمسح على النعل العربي لأنه لا يحول دون مس ظاهر القدم ، أو أنها قبل النزول ، وقد روي عن ابن عباس قوله : المسح على الخفين منسوخ بسورة المائدة.
أنظر : الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ٦ : ٩٣ ، التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ ١١ : ١٦٣ ، تفسير القرآن العظيم ـ لابن كثير ـ ٢ : ٢٧.
(٤٥) في الأصل : منغلقا.