كالأشياء» على البارئ باعتبار أن حقيقة الشيئية مشتركة بين البارئ وسائر الأشياء ، وإنما يمتاز البارئ عنها بخاصية وجودية لا توجد فيها ، فهو تعالى " شئ " بخلافها ، ولا تشبهه ولا يشبهها ، فمن جهة إثبات الشيئية له ، خرج عن حد التعطيل ، ومن جهة نفي المثيل له تعالى خرج عن حد التشبيه ، فثبت له تعالى التنزيه الكامل ، من دون تعارض بين صدر المقولة وذيلها.
فكذلك مقولة «جسم لا كالأجسام» ، على مصطلح هشام ، فإن الجسمية ـ بمعنى إثبات الشيئية بحقيقتها ـ ثابتة للبارئ تعالى ، مشتركة بينه وبين غيره من الأجسام ، فإثباتها له يخرجه عن حد التعطيل ، ونفي المماثلة بينه وبين الأجسام ، يخرجه عن حد التشبيه ، وهو التنزيه الكامل ، من دون معارضة بين صدر المقولة وذيلها.
فظهر أن ما ذكروه غير وارد على هشام ، إذ أنهم أوردوا ذلك على مصطلحهم في الجسم ، وهو : ما له الطول والعرض والعمق ، لا على مصطلحه في «الجسم» وهو : «الشئ».
وهذا منهم خروج عن أبسط مناهج البحث والجدل الصحيح.
وأما قولهم : وإذا كان قد قام الدليل على أنه ـ تعالى ـ ليس جسما ، فواضح أنه مصادرة على المطلوب ، إذ أن هذا هو محل البحث والنزاع فكيف يؤخذ شرطا تترتب عليه النتيجة التي ذكروها.
ثم إن الأدلة التي أقامها المتكلمون على نفي الجسمية عن البارئ تعالى ، كلها مبتنية على أن المراد بالجسم هو ذو الأبعاد ، وقد ذكروها في كتبهم.
ولهذا ، لا يرد شئ منها على المقولة ، بل نص كثير منهم على أن المقولة على مصطلح هشام لا تدل على التجسيم المعنوي ، وليس فيه مخالفة لأصل ، ولا اعتراض على فرع ، سوى مسألة توقيفية الأسماء التي سنفصل ذكرها في نهاية البحث.
* * *