٤ ـ دليل هشام على اختيار هذا المصطلح
نقل استدلال هشام على اصطلاحه في الجسم في رواية يونس بن ظبيان ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام ، فقلت له : إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما! إلا أني أختصر لك منه أحرفا : يزعم أن الله «جسم» لأن الأشياء شيئان : جسم ، وفعل الجسم ، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل (٨٩).
ومراده : أن الموجودات على قسمين :
إما أعراض ، وقد عبر عنها هشام بكلمة «الفعل» وهو ما لا يستقل في وجوده ، بل يحتاج إلى محل يعرض عليه أو يصدر منه.
وإما ذرات ، وقد عبر عنه بكلمة «الجسم» وهو ما يستقل في وجوده.
والبارئ جل ذكره ، لا يكون إلا من الموجودات المستقلة بالوجود ، وبما أن الأعراض لا تسمى عند هشام «أشياء» والذوات عنده هي الأشياء ، وقد عرفنا من مصطلحه أن الشئ عنده يسمى بالجسم.
والبارئ ليس عرضا ، بل ذات ، ويسمى «شيئا» فإذن يطلق عليه اسم «جسم»!
هذا ما نفهمه من استدلال هشام في هذه الرواية ، وهو الذي فهمه تلامذة هشام ، وقد نقله ابن أبي الحديد عنهم ، فقالوا : إنه «جسم لا كالأجسام» على معنى أنه بخلاف العرض الذي يستحيل أن يتوهم منه فعل ، ونفوا عنه «معنى الجسمية» (٩).
فنفي معنى الجسمية ، يدل على أن المراد بقولهم «جسم» مجرد الاسم ، وإذا انتفى عنه معنى الجسمية ، وهي التكتل الخارجي المقتضي للأبعاد ، كان «الجسم» في
__________________
(٨٩) التوحيد ـ للصدوق ـ : ٩٩ ، ب ٦ ، ح ٧ : والحكايات ـ للمفيد ـ : ١٣٢.
(٩٠) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٨٨.