وهذه الحقيقة قد استدل عليها القاضي نفسه ، في بيان استحالة كون البارئ تعالى «عرضا» (٩٨).
وظهر أن مراد هشام من «فعل الجسم» في استدلاله هو العرض ، المقابل للجوهر ، في اصطلاح الفلاسفة.
والقاضي عبد الجبار استعمل كلمة «فعل الجسم» بمعنى آخر ، واستعمله في الاستدلال على أن الله تعالى لا يجوز أن يكون جسما ، وقد فسره أبو رشيد بأن المقصود من «فعل الجسم» : إحداثه واختراعه (٩٩).
وهذا تفسير للفعل بمعناه اللغوي ، وإضافته إلى مفعوله ، كما أن مراده بالجسم هو المعنى المتداول ، وعلى هذا فلا يرتبط باستدلال هشام ولا مصطلحه في كلتا الكلمتين : «الجسم» و «فعل الجسم».
وقد التزم بنفس استدلال هشام من علماء عصرنا الشيخ محمد عبده المصري ، فقال : إن أريد من «الجوهر» القائم بذاته ، ومن «العرض» القائم بغيره ، لكان البارئ «جوهرا» وصفاته «عرضا». ولا منع إلا من جهة الاطلاق الشرعي ، حينئذ (١٠٠).
فإن جعله «الجوهر» ـ المفسر بالذات ـ في مقابل «العرض» هو مثل مقابلة «الجسم» بمعنى الشئ القائم بالذات في مقابل «العرض» في كلام هشام.
وهذا أيضا يبتني على اصطلاح خاص في معنى «الجوهر» كما أن ذاك كان مبتنيا على اصطلاح خاص في معنى «الجسم».
وإلا فالجوهر بمعنى ما له ماهية ، لا يمكن إطلاقه علي البارئ جل ذكره.
وهشام بقوله «جسم» وإطلاقه على البارئ تعالى ، لا يثبت أية مادة له تعالى ، ولا أنه ماهية ، بل ـ كما ذكرنا ـ أراد بهذه اللفظة التعبير عن كونه تعالى «شيئا» بحقيقة
__________________
(٩٨) شرح الأصول الخمسة : ٢٣١.
(٩٩) أنظر الاستدلال وتوضيحه في : ديوان الأصول : ٥٩٧.
(١٠٠) الشيخ محمد عبده : ٥٣١.