فمع أنا عرفنا أن المقولة «جسم لا كالأجسام» ليست إلا دليلا على التنزيه ، نافية لحد التعطيل وحد التشبيه ، وبالرغم من اعتراف كافة الفرق الإسلامية بأنها لا تدل على التجسيم الحقيقي ، وإن دلت على التجسيم اللفظي الاسمي ، فمع كل هذا نجد أن أصحاب الفرق قد حاكوا تلك الحكايات البشعة ضد هشام ونسبوها إليه زورا وبهتانا ، واختلقوا مذهبا وهميا نسبوه إليه باسم «الهشامية» ، إلى آخر الترهات التي يندى لها الجبين.
فلأجل مثل هذه الغفلة من هشام ، هذه الغفلة التي سببت للأئمة عليهم السلام هذه المشاكل ، وللطائفة هذه العراقيل والاتهامات ، مما كانت في غنى عنه ، لجأ الأئمة عليهمالسلام إلى توجيه العتاب الشديد إلى هشام ومحاسبته على ذلك حسابا عسيرا ، دفعا للاتهامات الواردة على الشيعة.
كما أن ما ذكره الأئمة عليهمالسلام فيه توجيه للأمة إلى الحق في عقيدة التوحيد ، ونفي التجسيم عن ساحة عقيدتهم ، وفي كثير منها توجيه بشكل أو آخر إلى أن فعل هشام إنما كان مصطلحا خاصا به ، وأن إطلاقه كلمة «الجسم» كان على خلاف رغبة الشارع وإذنه ، دون أن يكون له قول بالتجسيم الحقيقي.
ومهما يكن سبب تصرف هشام هذا ، وسبب صدور هذه المقولة منه ، فإن تسبيبها لمشاكل على الطائفة مما لا يرتاب فيه ، وهي زلة منه بلا ريب.
إلا أن من الأعلام من يعتقد أنه قد رجع حتى عن التجسيم بالاسم.
قال الشيخ المفيد : وقد روي أنه رجع عن القول بعد ذلك (٢٢٩).
وقال الكراجكي : وأما موالاتنا هشاما فهي لما شاع منه واستفاض من تركه القول بالجسم الذي كان ينصره ، ورجوعه عنه ، وإقراره بخطئه فيه ، وتوبته منه (٢٣٠).
وقد يؤيد هذا بما روي عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن أسماء الله عزوجل واشتقاقها؟
__________________
(٢٢٩) الحكايات : ١٣١.
(٢٣٠) كنز الفوائد ـ للكراجكي ـ : ١٩٧.