فقدت أبي في أوائل سن البلوغ واتجهت إلى طلب العلم ودرست عند أساتذة كبار ، ثم حضرت في الدروس العالية في الفقه على الفقيه المدقق المرجع الكبير السيد عبد الهادي الشيرازي ـ المتوفى سنة ١٣٨٢ رحمهالله ـ ، كما حضرت في الفقه والأصول والتفسير على مرجع الطائفة وزعيمها الإمام الخوئي ـ دامت ظلاله الوارفة ـ سنين عدة ، وكنت أتردد خلال الفترة على العلمين العملاقين الشيخين العظيمين : الشيخ صاحب الذريعة ـ المتوفى سنة ١٣٨٩ ـ ، والشيخ الأميني صاحب الغدير الأغر ـ المتوفى سنة ١٣٩٠ ـ ، بل لإزمتهما طوال ربع قرن ، وأفدت منها الكثير الكثير ، تخرجت بهما في اختصاصهما قدر قابليتي واستعدادي ، وكانا يغمراني بالحنان واللطف ، فاتبعت أثرهما ـ في اتجاههما وجعلتهما القدوة والأسوة في أعمالي ونشاطاتي ، فلي استدراك على كتاب الذريعة ، كما ولي تعليقات على موارد منه ، ولي أيضا استدراكات على طبقات أعلام الشيعة ، كما ولي تعليقات عليها طبع بعضها مما يخص القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، ثم زيد عليها بعد الطبع زيادات.
وغادرت النجف الأشرف إلى إيران في ذي الحجة من عام ١٣٩٦ ، وشاء الله أن أستوطن مدينة قم ، وبدأت بجمع استدراكات وإضافات على الجزء الأول من كتاب «الغدير» لا لأن المؤلف قصر في الجمع والاستيعاب حاشاه ، والله يعلم ماذا عاناه وقاساه في تحصيل هذا الذي حصل عليه ، وهو غاية جهد الباحث قبل ستين عاما.
لا ، بل لتوفر طبع مخطوطات ، لم تطبع من قبل وتوفر مصادر كثيرة لم تتيسر لأحد حينذاك وتأسيس مكتبات عامة أنقذت المخطوطات من التملكات الفردية في البيوت وزوايا الخمول وفهرستها والتعريف بها ليجد كل أحد بغيته منها ، ولا تنس دور تصوير المخطوطات في تسهيل الأمر وجلب المخطوط مصورا من مكتبات العالم في شرق الأرض وغربها ووضعه بين يدي الباحث ، ثم الرحلات والتجولات في مكتبات العراق وإيران والحجاز وسوريا والأردن ولبنان وتركيا وبريطانيا ، كل ذلك وفر لي العثور على مصادر لم تتوفر لشيخنا رحمهالله حين تأليف «الغدير» قبل ستين عاما ، وتجمع من هنا وهناك من مخطوط ومطبوع ومصور تما لم يكن في متناول اليد على عهد شيخنا الأميني