فقال حاكيا كلام عيسى عليهالسلام للناس في المهد : (إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا) (٦٤).
وقال في يحيى عليهالسلام : (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأتيناه الحكم صبيا) (٦٥).
فإن قال الخصوم : إن هذين نبيان يصح أن تكون لهما الآيات والمعجزات.
قلنا : فما المانع من أن يكمل الله تعالى عقل طفل في زمن نبينا عليهالسلام ، ويمنحه صحة التمييز والاستدلال ، ويخصه بالتكليف دون جميع الأطفال ، ويكون ذلك آية لنبيه صلىاللهعليهوآله ، وكرامة له في أخص الناس به ، ولوجه آخر من الصلاح يختص بعلمه ، وليكون مع هذا كله إبانة لوليه الذي هو حجته ووصي نبيه صلىاللهعليهوآله.
فما المحيل لما ذكرناه ، والمانع من كونه؟! أوليس قد روي أن الشاهد الذي شهد من أهلها في قميص يوسف عليهالسلام كان طفلا في المهد له سنتان وليس بنبي؟!
وبعد :
فقد أوجدكم الله تعالى عيانا من أحد أئمتنا عليهمالسلام ما هو أكثر مما أنكرتموه من هذه الحال ، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهمالسلام ، وشهادة المأمون له ـ لما عوتب على تقريبه ومصاهرته وهو ابن تسع سنين ـ بالعقل والعلم والكمال ، واتفاقهم معه على أن يعقدوا له مجلسا للامتحان ، وسؤالهم يحيى بن أكثم القاضي في أن يتولي لهم ذلك ، وبذلهم له الأموال ، وما جرى له من عجيب الكلام في السؤال والجواب حتى عجز يحيى ووقف في يديه وأذعن بالاستفادة منه ، والرجوع فيما لا يعلمه إليه ، وهذا أمر قد شاركتمونا في نقله ، واتفق أصحاب الحديث على حمله (٦٦).
ولسنا نشك في أن هذا العلم والفضل والفهم لم يحصل لأبي جعفر عليه
__________________
(٦٤) مريم ١٩ : ٣٠.
(٦٥) مريم ١٩ : ١٢.
(٦٦) الإرشاد : ٣٢٢ ، الاحتجاج : ٤٤٣ ، نور الأبصار : ١٧٧.