السلام إلا من أحد وجهين :
إما الإلهام ، فهو إذن معجز بان به من الأنام.
وإما عن تلقين وتعليم ، فكم كان عمره وقت تلقينه ذلك ، وهو في وقت المناظرة ابن تسع سنين ، وقيل : ثماني سنين؟!
أوليس هذه أعجوبة قد نقلتموها وأقررتم بها وسلمتموها (٦٧) ، فأخبرونا كيف أقررتم لولد أمير المؤمنين صلى الله عليه في زمن المأمون بكمال العقل والعلم وحسن المعرفة والفهم وهو ابن تسع سنين ، وأنكرتم أن يصح لأمير المؤمنين صلى الله عليه في زمن رسول الله صلى عليه وآله كمال العقل والتكليف وله عشر سنين؟!
فإن قالوا : نحن لا نعترف لأبي جعفر عليهالسلام بهذا ، كانت السير قاضية بيننا وبينهم ، وشاهدة للمحق منا.
ثم يقال لهم : إن لم يكن الأمر كما ذكرناه من كمال عقل أمير المؤمنين عليه السلام وقت دعاء النبي صلىاللهعليهوآله له إلى الإسلام وهو في حال ستر لأمره وكتمان ، وخوف من الشرك والضلال ، أليس يكون قد غرر بنفسه فيما ألقاه إليه ، وفعل ما يشهد العقل بقبحه ، وخطأ المقدم عليه؟! ... حاشا الرسول صلىاللهعليهوآله مما ينسبونه إليه.
والذي ذكرناه في أمير المؤمنين عليهالسلام أوضح من أن يشتبه الأمر فيه ، أليس هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله : «إنني لم أزل البارحة مفكرا فيما قلت لي ، فعرفت الحق والصدق في قولك ، وأنا أشهد أن لا إلة إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله».
فوقع منه الإقرار بالشهادة بعد فكر ليلة كاملة ، فكيف يصح من طفل ـ كما زعمتم ـ غير عاقل أن يفكر في صحة النبوة ليلة كاملة حتى حصل له العلم بصدق المخبر بها بعد طول الروية ، وهل بعد هذا لبس يعترض عاقلا هجر العصبية؟!
__________________
(٦٧) في الأصل : سلمتوها ، والأنسب ما أثبتناه.