رمضاء الهجير ، فحشد الجموع ، وأعلن أمر الولاية صرخة مدوية في الإسلام.
وفي ذلك اليوم ، في أعظم اجتماع للأمة بقائدها العظيم ، وأكبر محفل ضم الرسول والمسلمين ، في آن واحد ، على صعيد واحد ، وفي الشهور الأخيرة من حياته الشريفة وهي تتصرم! وعمره الشريف يقترب من نهايته ، والفرص الأخيرة لتقديم آخر وصاياه تمر بسرعة.
مثل هذه الظروف استغلها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لأداء مهمة ذلك الأمر الذي أنزل إليه من ربه ، وتصدى لتبليغه ، بأبدع ما بإمكانه ، وأكمله ، وأتمه ... فخطب وأسمع ، ونادى فأبلغ ، وناشدهم أجمع :
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا. بلى.
فقال ـ رافعا لعلي على يديه ـ : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأنصر من نصره ، واخذل من خذله.
في خطبة جامعة ، ناصعة ، طويلة الذيل ، حوت كل ما اهتم به من الوصايا الضرورية ، والتي أدى بها حق رسالة الله.
وقد أعلن الرسول يومئذ عن ولي الأمر من بعده ، إشفاقا على أمته من أن يتركها هملا ، تتجاذبها عسلان الأهواء.
واستخلف على المؤمنين من بعده إمامهم ، ليثبت به قلوبهم ، وليحافظ على قواعد الدين العظيم بإمرة من هو خير هاد للمسلمين.
ولقد أدى الرسول هذه المهمة الصعبة ببطولة نادرة ، فقد كان الأعداء ـ المتربصين بهذا الدين الدوائر ـ يراقبون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يخشون مثل ذلك الأمر ، وكان المنافقون يهابون إعلان اسم ولي الأمر الذي يخلف النبي ، فبدؤوا شغبهم وأخفوا مكرهم ، ولكن الله بوعده بالعصمة قطع دابرهم.
فظل خبر الغدير يتسع مع الحجيج العائدين إلى بلدانهم ، فلم تسعه المؤامرات ولم تطله الخيانات ، بل انتشر عبقه مع الأثير ، وسار نبؤه مع النور.