فإن قلت : إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سُنّته لم يبق لقوله : « سُنّة الخلفاء الراشدين » ثمرة .
قلت : ثمرته أنّ من الناس من لم يدرك زمنه وأدرك زمن الخلفاء الراشدين ، أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء ، ولكنّه حدث أمر لم يحدث في زمنه ، ففعله الخلفاء ، فأشار بهذا الإِرشاد إلى سُنّة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردّد إلى بعض النفوس من الشكّ ويختلج فيها من الظنون .
فأقلُّ فوائد الحديث أنّ ما يصدر منهم من الرأي وإنْ كان من سُنّته كما تقدّم ، ولكنّه أوْلى من رأي غيرهم عند عدم الدليل .
وبالجملة فكثيراً ما كان صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنّه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه ، لأنّه محلّ القدوة ومكان الْأُسوة .
فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث ، ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم . فإنْ كان صواباً فمن الله ، وإنْ كان خطأً فمنّي ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم » (١١٧) .
أقول :
لقد تنبّه هذا الشيخ الجليل إلى أنّ القول بأنّ « طريقتهم نفس طريقته » يتنافى وظاهر الحديث الدالّ على « المغايرة » ، ورفع اليد عن الظهور بلا دليلٍ غير جائز ، فنقل الكلام إلى حجّيّة آراء الخلفاء واجتهاداتهم ، وقال بذلك استناداً إلى حديث معاذ ، ثمّ ذكر في هذا المقام دلالة الحديث على المغايرة بصورة سؤال ، وحاول الإِجابة عنه بما هو في الحقيقة التزام بالإِشكال !
وعلى الجملة ، فإنّ الكلام في إثبات أنّ « طريقة الخلفاء نفس طريقة النبي »
__________________(١١٧) إرشاد الفحول : ٢١٤ .