هائلة في نبش التراث الإسلامي وتحقيقه ونشره ، وتكشيفه وفهرسته ، ولكن عددا غير قليل منهم كانوا ضحية مناهجهم الخاصة ، التي أملتها النظرة المركزية الأوروبية ، وروح السيطرة الاستعمارية ، فكان عملهم في تحقيق التراث ونشره ، وترجمته ، يستمد مرجعيته من تلك النظرة ، ولذا لم يستطع هؤلاء أن يخفوا هذه الروح ، التي تجلت بشكل واضح في معظم أعمالهم.
* * *
في هذا الضوء يمكن أن نعرف السبب الذي دعا بعض الأوروبيين للاهتمام بنشر التراث العربي الإسلامي في وقت مبكر ، فقد تم طبع القرآن الكريم في مطبعة باغانيني بالبندقية ، ويبدو من بعض القرائن أنه طبع سنة ١٤٩٩ م ، بينما يذكر آخرون أنه ربما طبع سنة ١٥٠٩ م ، أو بعد ذلك (٢٢) ، إذ رجح البعض أن يكون تاريخ طبعه سنة ١٥٣٠ م تقريبا ، إلا أن جميع النسخ التي طبعت أحرقت ، وكانت هذا الطبعة كاملة لكل القرآن ، ولم يعثر لها على أثر حتى الآن ، وأقدم من ذكرها هو أربنيوس في كتابه (مبادئ اللغة العربية ، ليدن ١٦٢٠ م) (٢٣).
ومنذ لك التاريخ ، نلاحظ اهتماما متناميا في طبع الكتاب العربي ونشره ، مع العلم أنه لم تمض بعد سنوات طويلة على ظهور الطباعة في أوروبا ، فقد ظهرت نحو منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ، وقد تتابع نشر بعض الكتب ببطء في بداية الأمر ، ثم ما لبث أن أزداد بنحو تدريجي بعد قرن من الزمان ، حتى أضحت حركة نشر التراث العربي الإسلامي في أوروبا واسعة جدا مع مرور الأيام ، لتبلغ ذروتها في القرن التاسع عشر ، عصر تعاظم نفوذ الاستعمار الغربي ، وتسلطه على الكثير من أقاليم العالم الإسلامي.
__________________
(٢٢) ن. م ، ق ١ : ص ٢٤٦.
(٢٣) بدوي ، د. عبد الرحمن. موسوعة المستشرقين : بيروت : دار العلم للملايين ، ط ٣ (طبعة جديدة منقحة ومزيدة) ، ١٩٩٣ م ، ص ٤٣٨.