حينما سعى المستعمر الفرنسي إلى استبدال اللغة العربية بالفرنسية ، بل القضاء على الأبجدية التي تكتب بها لغاب الشعوب الإسلامية ، كما جرى في تركيا ، عندما أقصيت الأبجدية التركية العثمانية ، واستبدلت باللاتينية.
لقد سخر المستعمر لتنفيذ هذه المهام أفواجا عديدة من الباحثين في أوروبا ، ووجههم للتخصص بالتراث الإسلامي ، وأمن لهم إمكانات مادية وبشرية ضخمة ، من أجل دراسة هذا التراث ، واكتشاف الشعوب الإسلامية ، لبسط سيطرته عليها ، فأسست مراكز للبحث والتحقيق ، ودور نشر ، ودوريات ، وكليات ، ومؤسسات متنوعة ، تخصصت بتراثنا ، ومجتمعاتنا ، وتاريخنا ، وعاداتنا ، كانت تؤمن خدمات هائلة لوزارات المستعمرات في الدول الاستعمارية (٦١) ، حتى أن تزايد الاهتمام بالتراث الإسلامي ، وتحقيقه ونشره ، وفهرسته ، وترجمته ، كان يتناسب طرديا بشكل ملحوظ ، مع تفاقم ظاهرة الاستعمار في ديارنا ، فيما كان يتراجع هذا الاهتمام في حالات انكفاء الاستعمار وتراجعه وانحساره.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نعرف السبب في اشتداد حركة تحقيق ونشر تراثنا في أوروبا في القرن التاسع عشر ، وهو عصر غلبة أوروبا ، وبسط نفوذها على معظم ديارنا عسكريا ، وتغلبها على مجتمعاتنا بأسرها سياسيا.
ومن هنا يمكن القول بأن تحقيق ونشر التراث الإسلامي في أوروبا ، كان يمثل في بعد من أبعاده الأساسية ، إحدى الآليات التي يعتمدها الاستعمار في سيطرته على المسلمين ، وتدمير المقومات الحيوية والفطرية لمجتمعاتهم ، فكلما توسعت حركة الاستعمار في العالم الإسلامي ، تنامت بموازاتها حركة تحقيق ونشر التراث الإسلامي في أوروبا.
وإن كنا لا نعدم ظهور بعض النماذج من الباحثين الغربيين في تراثنا ،
__________________
(٦١) عمل بعض أساطين حركة الاستشراق كمستشارين في وزارة المستعمرات في بلدانهم.