وكذلك استفادوا من هذه الطرق ، للتأكد من نقل كل المعارف عبر الأجيال ، والمحافظة على النصوص وتوثيقها ، وحمايتها من التعرض لأشكال التحريف والتصحيف ، سواء المعتمدة كالوضع والتزوير ، أم العارضة لنسيان ، أو غفلة ، أو ذهول.
وتعد هذه المحاولة من أدق طرق التوثيق للنصوص ، وأكثر أساليب الحماية لها ، من بين طرقه المعروفة في الحضارات البشرية ، قديما وحديثا ، بل علماء الإسلام هم المثل في اختراع هذه المحاولة بين علماء سائر الأديان والمذاهب ، بل الحضارات كلها.
(الإجازة) وموقعها بين الطرق الثمان :
وقد كانت (الإجازة) في ترتيب الطرق ، ثالثتها عند الأكثرين ، كما سبق ، وهذا يدل على ما للإجازة من أهمية عندهم ، لأن كونها بعد (السماع) و (القراءة) مباشرة ، وهما أقوى الطرق ، حيث لم يقع اختلاف في حجيتهما واعتبارهما والأكثر تداولا في الرواية ، فلا بد أن تكون (الإجازة) تالية تلوهما وشريكة لهما في وجود عناصر القوة والحجية والتداول ، بما يمكن معه اعتماد هذا الترتيب وهذا الالتزام.
ولذلك ـ أيضا ـ نجد علماء الحديث قد أولوا (الإجازة) اهتماما بليغا ، فبذلوا حولها جهودا كبيرة ، سواء في مجال التطبيق والتداول ، أم في مجال البحث عنها والتأليف حولها (٢) أو في مجال جمع نصوصها ، وتنظيم كتب خاصة
__________________
(٢) لقد تعددت المؤلفات التي تحدثت عن (الإجازة) في التراث الإسلامي ، وقد أسهمنا في ذلك بتأليف كتاب حافل ، في فصول عديدة ، شملت : تاريخ الإجازة ، وحقيقتها ، وفائدتها ، ومشايخها ، وما إلى ذلك ، وقدمنا أمام البحث قائمة بالتراث الذي سبق تأليفه حولها.