وهذا الوضوء ، مع أنه عمل يقام به في اليوم أكثر من مرة ، فقد اختلفوا في كيفيته ، وفي المسح للأرجل أو غسلها ، وفي مقدار مسح الرأس ، وللأحاديث المختلفة والمختلقة دور كبير في وقوع ذلك.
فإن مجمل ما ذكره المؤلف في التفرقة بين العبادة والمعاملة ، وما ذكره من أمثلة الأحكام المعاملية والإشكاليات التي تصورها فيها ، يدل على أنه بعيد كل البعد عن مصادر الفقه الإسلامي ، وبالأخص الفقه الشيعي ، فليس من الفقهاء المسلمين من لم يفرق بين العبادات والمعاملات ، فالشهيد الأول من علماء الشيعة الاثني عشرية ، فرق بينهما بأن الغرض من العبادة هي الآخرة ، بينما الغرض من المعاملة هي الدنيا.
لكن الشرع قد حدد لكل منهما أصولا وقواعد وتراتيب وشروطا ، ومعرفة كل ذلك متوقف على البلوغ بالطرق الشرعية المعتمدة المقررة كأدلة في أصول الفقه ، ولا فرق بين العبادة والمعاملة في ذلك ، إلا أن الأحكام والأمور المتعلقة بالعبادة كلها تعبدية محضة ، لكن ما يرتبط بالمعاملات فقد علقها الشارع على مصالح العباد ومفاسدهم ، ولكن تدخل في تحديد بعض المصالح والمفاسد بالتعبديات ، فما كان حلالا شرعا فلا بد أن يكون للخلق فيه مصلحة ، وما كان حراما ففيه مفسدة ، وإن لم يدرك الناس ذلك.
أما ما سوى ذلك مما لم يرد من الشرع الكريم فيه حكم بالحرمة ، فهو على أصالة الحلية شرعا ، فيبقى شرط أن يكون فيه منفعة مقصودة للعقلاء ومما يبذلون بإزائه مالا ، وإلا فأكل المال بين الناس بالطرق الملتوية ، سواء كانت بعقود مزيفة أو عهود ظالمة ، أو بدفع ما لا قيمة له ولا مالية ، فهو منهي عنه شرعا ، فتداول الثروة وانتقالها لا بد أن يبتني على هذه الأسس الشرعية ، وهذا لا يتنافى أن تكون المصالح والمفاسد تتغير ، وتتبعها الأحكام فعندما لم يتقدم الطب ، لم يمن للدم النجس أية منفعة متصورة ، وبما أن تناوله وشربه حرام ، فإن الفقهاء حرموا بيعه ، وأما في العصر الحديث فبما أن الانتفاع به أصبح شيئا