ولو كان ما ذكره ابن باز حقا لما ساغ لابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ ارتكاب الجمع ـ كما في حديث مسلم ـ معتذرا بمجرد وقوع مثل ذلك من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدروه عنه من دون ابتلاء ابن عباس نفسه بمرض ، بل كان يلزمه الاقتصار في موارد الجمع على مثل تلك الأعذار التي ذكرها ابن باز ، فجميع ما ذكره مدفوع ، وجملة ما تمحله ممنوع.
والحق أن في التفريق بين الصلاتين ـ مع قطع النظر عن أفضليته ـ ضرب من المشقة ليس في الجمع ، فصح لذلك تعليل تشريع الجمع برفع الحرج ، وانتفى تجشم تلك الأعذار والعلل والعليلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وبالجملة : فإن التعليل المحكي في الأحاديث يفيد عموم نفي الحرج من جهة التفريق دائما ، فدفع الحرج إنما هو بعين تشريع الجمع مطلقا ، لا بكونه في مقام عروض العذر والمشقة العارضة ، فبطل ذلك تشبثه بتعليل ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ ، بل دلالته على نفي العذر في غاية الظهور ، إذ كيف يعقل أن يعدل ابن عباس ـ وهو حبر الأمة ـ عن ذكر العلة الموجبة للجمع إلى ذكر رفع الحرج عن الأمة؟!
ولنعم قول الإمام ابن المنذر : إنه لا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار ، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه وهو قوله : (أراد أن لا يحرج أمته) (٦١). انتهى.
السادس : أن الجمع مختص بمسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لفضله.
وهو ظاهر الوهن ، بين الفساد ، إذ قد ورد في أكثر أحاديث الباب أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما جمع بين الصلاتين لئلا تحرج أمته ، فالعلة المطلقة لا تختص بمسجده عليه وآله الصلاة والسلام ، وأي مشقة في التفريق
__________________
(٦١) معالم السنن ٢ / ٥٥ د ح ١١٦٧ : الجوهر النقي ـ ضمن سنن البيهقي ـ ٣ / ١٦٧ ـ ١٦٨.