في عقيدتنا ، ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل ، فإنه إذا خولط النبي في عقله ـ كما زعموا ـ جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئا وهو لم يبلغه ، أو أن شيئا نزل عليه وهو لم ينزل عليه ، والأمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
ثم إن نفي السحر عنه لا يستلزم نفي السحر مطلقا ، فربما جاز أن يصيب السحر غيره بالجنون نفسه ، ولكن من المحال أن يصيبه لأن الله عصمه منه.
ما أضر المحب الجاهل ، وما أشد خطره على من يظن أنه يحبه ، نعوذ بالله من الخذلان.
قال (١١٩) : ولو كان هؤلاء يقدرون الكتاب قدره ، ويعرفون من اللغة ما يكفي لعاقل أن يتكلم ، ما هذروا هذر الهذر ، ولا وصموا الإسلام بهذه الوصمة ، وكيف يصح أن تكون هذه السورة نزلت في سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أنها مكية في قول عطاء والحسن وجابر وفي رواية كريب عن ابن عباس ، وما يزعمون من السحر إنما وقع بالمدينة؟! لكن من تعود القول بالمحال ، لا يمكن الكلام معه بحال ، نعوذ بالله من الخبال. انتهى كلامه.
وإنما ذكرناه بطوله لاشتماله على فوائد جمة ومطالب مهمة ، وأرباب الفضل لا يسأمون من ذلك.
وذكر تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا في (تفسير المنار) (١٢٠) : أن كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر ، قد يصدق عليه بعض ما عدوه من علامة الوضع ، كحديث سحر بعضهم النبي صلىاللهعليهوآله وسلم ، الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصاص من المفسرين المتقدمين والأستاذ الإمام محمد عبده من المتأخرين ، لأنه معارض بقوله تعالى : (إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال
__________________
(١١٩) تفسير جزء عم : ١٨٢.
(١٢٠) تفسير المنار ٢ / ١٠٤ ـ ١٠٥.