المؤرخ الذي سماه المدائني (ابن شهاب ابن عبد الله) والذي طلب إليه خالد القسري أن يكتب له السيرة ، أنه هو ابن شهاب الزهري هذا ، فابن شهاب هو الغالب على تسمية الزهري ، وأما عبد الله فهو جده ، وعبد الله هو ابن شهاب ، ومن هنا وقع اللبس.
ويؤيد ما قلناه أنه لم يكن أحد من أهل العلم بالسير ممن عاصر خالد القسري يعرف بابن شهاب إلا ابن شهاب الزهري.
إذن هذه هي مغازي ابن شهاب الزهري التي عرف بها نفسه ، فقال : قال لي خالد القسري : اكتب لي السيرة.
فقلت له : فإنه يمر بي الشئ منس ير علي بن أبي طالب ، فأذكره؟
فقال : لا ، إلا أن تراه في قعر الجحيم! (٢٩).
فلما لم يجد الزهري عليا في قعر الجحيم ، لم يورد له ذكرا في مغازيه!
دهاء الزهري :
تجنب الزهري شيئا من أخبار شيخه عروة حين اتهمه في بني هاشم ، وهذه فضيلة يحفظها له التاريخ. وفي مقابل ذلك أعرض عن ذكر سير علي ومناقبه إرضاء لبني أمية ، وهذه حفظها له بنو أمية!
وربما ظن أنه قد سلك مسلكا وسطا ، فلا هو أرضاهم في النيل من علي وبني هاشم ، ولا هو أسخطهم بذكر سير علي وبني هاشم!
وبهذا نجح الزهري فكان حظيا عند الأمويين لا يقدمون عليه أحدا حتى توفي.
ولكن لم يأت هذا النجاح إلا بما هدره من حقائق الدين والتاريخ التي لو أظهرها لكان الزهري عندهم غير الزهري!
__________________
(٢٩) تقدم في الفقرة ٢ عن كتاب الأغاني ٢٢ / ٢١ من رواية المدائني.